الكفاءة القتالية والاستعداد القتالي عاملان مندمجان متكاملان، يتساويان أهمية من حيث المساهمة مع عوامل أخرى في جاهزية القوات لخوض المعركة بنجاح، وعند الإخلال بمبدأ المحافظة على القدرات القتالية للقوات يستحيل عملياً استخدام مبادئ الحرب الأخرى كالحشد والمفاجأة والفعالية وغيرها؛ لأن مبدأ المحافظة على القدرة القتالية يعتبر من أهم مبادئ فن الحرب الحديثة.
كما أن الاستعداد القتالي جزء من الكفاءة القتالية يتصل بالقدرات الفنية والمهنية البحتة مثل مستوى التدريب واستخدام الأسلحة ودرجة صلاحية المعدات، وهنا يبرز السؤال المهم، كيف يمكن قياسها كمياً؟
يوجد اليوم اعتقاد عميق الجذور بأن عامل الكم قد أصبح شيئاً من مخلفات الماضي، وأنه لم يعد لذلك أي قيمة، ولكن هل تفوق الكم يوماً على النوع، أو هل نجح في الحلول مكانه، أو هل الأمر عكس ذلك؟ إننا نعلم أنه منذ أوائل التاريخ المعروف كانت القوات العسكرية جيدة الإعداد والتحضير والقيادة، صغيرة نسبياً، غالباً ما تنجح في التغلب على قوات تفوقها عدداً، كما أنه ليس من الممكن وضع صيغة حسابية بمثابة وصفة أو قاعدة جامدة لتحديد وتعيين العلاقة المتبادلة بين عاملي الكم والنوع، فالموضوع ليس من السهولة بحيث يستطاع ذلك، وليس بوسع أحد أن ينكر أن كل جيوش العالم تتجه حالياً إلى تحقيق نسبة متزايدة من عامل النوع، مع الاحتفاظ بعامل الكم على نسبته التقليدية، وللآن الميزة النوعية أغلى تحقيقاً من ميزة الكم.
ولهذا فإن على أي مؤسسة عسكرية أن تزود أعضاءها بتحضير وإعداد من نوعية عالية بما في ذلك النواحي النفسية والمعنوية، والإخلاص للواجب.. إلخ، لأن المقاتل باختصار يجب أن يتسلح بالنفسية العالية والروحية المثلى والمعرفة التكنولوجية العلمية اللازمة كشرط لكي يستطيع أن يتعاطى مع الأخطار ويتفاعل معها بأقصى سرعة، وعلى خير وجه وأفضل رد.
وهنا قد لا يختلف مراقبان على أن تطور الأداء العسكري للمقاومة الفلسطينية آخذ في التصاعد بصورة متسارعة أربكت حسابات العدو الصهيوني، وجعلت قادة جيش الاحتلال يعدّون للألف قبل أي عملية عسكرية يُقدِمون عليها، ومن خلال متابعتي لفعل المقاومة ألحظ مهنية عالية ورؤية ثاقبة، ما يدل على وجود الكفاءة القتالية والاستعداد القتالي في كل المجالات؛ ففي الميدان العسكري أبدعت كثيرًا من أدوات المقاومة، وأدخلتها قاموس النضال الفلسطيني، مثل الصواريخ، والعمليات الاستشهادية، واقتحام "المستوطنات"، والكمائن المتحركة، وعمليات الأنفاق، الضفادع البشرية، وكذلك الاحتراف الإعلامي لدى الدائرة الإعلامية للقسام..، ويلاحظ المتتبع لتاريخ المقاومة العسكري أنها أدركت ضرورة التعلم والتدريب والاستزادة والاستفادة من الخبرات السابقة، ومحاولة البدء من حيث انتهى الآخرون؛ من أجل الوصول وتحقيق الكفاءة والاستعداد بشكله الصحيح، حيث الاستفادة من المواد العلمية، والتعلم من الأخطاء السابقة، وتلافي هذه الأخطاء أثناء العمل وتطبيق الاحتراف.