غزة-محمد شاهين محرر
يصعد الشاب يوسف عبادة على كتف صديقه ويعتلي الثائرين الذين يرددون خلفه هتافات حماسية قبيل اقتحامهم السياج الذي يفصل شمال قطاع غزة عن "زيكيم"، ليدخلوا أرضهم المحتلة عنوةً كأمواج البحر وسط أزيز الرصاصات القاتلة وقنابل الغاز التي يطلقها جنود جيش الاحتلال لكي عزيمتهم.
دقائق قليلة فصلت بين الهتافات الحماسية وبين اجتياز الشباب الثائر السلك الفاصل بعد تقدمهم تجاه الجنود المدججين بالسلاح ما أجبرهم على الفرار نحو حصنهم تاركين خلفهم كاميرا عسكرية وقعت غنيمة بأيدي الشبان الذين أحضروها للمقاومة الفلسطينية.
يوضح عبادة الذي استرقت "الرسالة" منه بعض الوقت قرب السياج الفاصل الاثنين الماضي، أنه تعرف على عددٍ من الأصدقاء خلال مسيرات العودة وانخرط بعدها معهم بوحدات (قص السلك والإرباك الليلي)، وقال " مستمرون في التصعيد مع العدو حتى يزول الحصار عن غزة، وسنواصل ابتكار عشرات طرق المقاومة الشعبية التي سنرهق بها الاحتلال".
أصدقاء صاحب البشرة السمراء الكثر، الذين التقاهم مراسل "الرسالة"، كانت نبرتهم تتسم بالقوة، فعلى الرغم من إدراكهم أن رصاصات "الإسرائيلي" المدجج بالسلاح لا ترحم أجسادهم، إلا أنهم عازمون على التضحية من أجل تحقيق الهدف مهما كلفهم الأمر.
الإثنين من كل أسبوع، حسم الشباب الثائر شمال قطاع غزة قراره بكسر صمت الحدود الشمالية الغربية مع الاحتلال، بخلق مسير بحري وبري رافضاً للحصار "الإسرائيلي" ومطالباً بحق عودة اللاجئين إلى وطنهم، واستمرارً لفعاليات مسيرات العودة الكبرى التي انطلقت في الـ 30 من آذار الماضي.
الجميع يشارك
كما باقي المناسبات التي تشهد مقاومة للاحتلال، حرصت النساء على المشاركة الفاعلة (بثورة البحر)، بعد وصول عشرات النسوة السياج الفاصل ووقوفهن بثبات أمام القناص "الإسرائيلي" القاتل.
استعانت (أم أحمد) 53 عاماً، بعكازيها ليعيناها على الوصول لمنطقة زيكيم، بعد أن أجبرتها رصاصة قناص "إسرائيلي" أصابت قدمها خلال مجزرة ذكرى النكبة 14 مايو الماضي على السير مثقلة، إلا أن ذلك لم يمنحها عذراً لعدم مواصلة المشاركة بالمسيرات بالرغم من حجم الألم-وفقاً لقولها.
تحكي التي ثبتت علم فلسطين على عكازها الأيمن، أنها وأبناءها الأربعة يشاركون بمعظم فعاليات مسيرات العودة منذ انطلاقها، إذ ترى منها فرصاً لا تعوض من أجل تأدية واجباتها الوطنية والدينية تجاه فلسطين المحتلة، بمقاومتها الاحتلال "الإسرائيلي"، الذي يتلذذ بمحاصرة أهالي قطاع غزة.
وتبين الخمسينية أنها لن تتنازل عن المشاركة بالمسيرات، قبل كسر الحصار وإبطال (صفقة القرن) التي يهدف من خلال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تصفية القضية الفلسطينية، أو تنال شرف الشهادة في سبيل الله.
ويقف الستيني محمود الربيع اسم مستعار مع زوجته وابنه، قرب السياج الفاصل ليراقبوا ما يفعله الشباب الثائر هناك.
ويقول "الأسير المحرر" الذي رفض الكشف عن اسمه خوفاً من قطع رئيس السلطة محمود عباس راتبه على خلفية مشاركته، "فخور بما يفعله الشباب الثائر في سبيل مقاومة الاحتلال الذين يعيدوني إلى ذاكرة شبابي، وأحرص على احضار ابني الذي انجبته بعد خروجي من السجون "الإسرائيلية"، لأربيه على حب المقاومة وفلسطين".
وفي نفس الوقت الذي كان ينشغل فيه الشباب الثائر باجتياز الحدود، كان شاطئ البحر يشهد دخولاً لمراكب الصيد التي يحصرها الاحتلال بمسافة الـ 6 أميال، للمنطقة المحرمة شمال القطاع، وعلى الرغم من استهدافهم من قبل بحرية الاحتلال، إلا أنهم ثبتوا في إيصال رسائلهم السلمية والمشروعة.
وتسببت وحشية الاحتلال خلال قمع المسير البحري الثامن الاثنين الماضي، بإصابة 95 مواطنا بجراح مختلفة واختناق بالغاز، منها 26 إصابة بالرصاص الحي وفق ما أعلنته وزارة الصحة.