لا يعلم أحد أن حاجز الصفيح المجاور لمجرى وادي غزة يخفي خلفه قصة لجوء ومعاناة بدأت قبل سنوات من مدينة درعا السورية وانتهى بها المقام على بعد أمتار من مجرى الوادي.
وصلت أسرة عمر الحوراني (31) عاما غزة هربا من القصف في مدينة درعا السورية قبل سبع سنوات حيث أنجب أطفاله الأربعة، لكن فقدانه لفرصة عمل مؤقتة كانت الحكومة قد وفرتها للاجئين من سوريا أعجزه عن دفع أجرة البيت.
وجد الحوراني قبل 4 سنوات نفسه مطارداً للمؤجرين فحصل على (كرفانة) من لجنة إعمار غزة استقرت قرب مستشفى الوفاء للمسنين لكن استعادة الحكومة للأرض سافر بـ(الكرفانة) إلى مجرى وادي غزة.
أكثر ما يزعج أسرة الحوراني التي تحيا في طقس متطرّف بين جدران الصفيح أن القوارض والحشرات تحل ضيوفاً ثقيلة من بين الشقوق وتطيل البقاء في فضاء المكان الذي لا يحمي من أمطار الشتاء ولا حرّ الصيف.
باءت بالفشل كل محاولات عمر للحصول على شقة سكنية من مشاريع الإسكان الخيرية التي مولتها قطر وتركيا وظلّت أسرته الوحيدة من بين مئات الأسر المعوزة التي حصلت على مساكن جديدة.
فقر وبطالة
جولة ميدانية قصيرة بين حجرات الصفيح الثلاث التي تشكل (حجرات النوم والمرافق) تكشف حجم معاناة تترافق مع رائحة مجرى وادي غزة التي أضرّت وحشراته صحّة الأم وأطفالها الأربعة.
تأسف السيّدة (أم محمد) على سنوات ضاعت في سوريا مشيرةً أن درعا قبل الحرب كانت مدينة هانئة يكسب الإنسان فيها قوته بسهولة أينما ضرب راحتيه طلباً للرزق.
وتقول:"معاناتي صيفاً وشتاءً من القوارض والحشرات التي تملأ البيت وتسببت في أمراض جلدية للأطفال والقوارض وتداهمنا من شقوق الأرض والجدران، ورائحة وادي غزة تزكم الانوف".
وتكررت زيارة زوجة الحوراني وأطفالها الأربعة لأطباء الجلدية والصدرية فأكدوا لها أن معاناتهم هي من رائحة وحشرات وادي غزة الذي لا يبعد عنهم سوى خمسة عشر متراً.
المناخ في حجرات الصفيح التي تخترقها رائحة وحشرات الوادي متطرّف للغاية فالحياة فيها حارّة جداً لدرجة غير محتملة في الصيف في حين لا تحميهم الحجرات من أمطار الشتاء.
أما والدة عمر التي تعاني من سقوط في عصب اليد فتقول: "في الشتاء هذه الحجرة تدلف بالمياه، وكل مطلبنا بيت صغير، أنا مطلقة من عشرين سنة، واستشهد ابني في سوريا، وأشقاؤه في تركيا وسوريا والسويد، والأطفال هنا يخافون المطر ويبكون والحشرات والقوارض تداهم البيت".
حيرة وعجز
يتململ عمر من حديث زوجته وأمّه ممدداً ذراعه على جدار الصفيح في إشارة صامتة لحجم المعاناة عاجزاً عن الإدلاء بمزيد من التفاصيل من كتاب معاناته.
المشكلة الكبيرة أن أسرة عمر لا تملك أوراقاً ثبوتية فقد هربت من الحرب بسوريا ودخلت غزة من الانفاق الحدودية حيث كانت أحوالها سيئة ومن يومها لا تستطيع التنقل خارج غزة وهو ما يقلّص فرصة اللجوء ثانية لإحدى دول أوروبا شأن عشرات السوريين بغزة الذين ينتظرون دورهم في المغادرة.
ويؤكد عمر أنه حصل على فرصة عمل مؤقتة لكن اشتداد الحصار قبل سنتين أفقده أي مصدر للدخل وهو الآن عاجز عن توفير أدنى متطلبات الحياة اليومية وعلى رأسها مصروف ابنته الصغيرة في الصف الأول.
يقول عمر: "سنوات من المعاناة وأتمنى أن أحصل على أي فرصة عمل أو أي مكان مناسب للسكن يحمي أسرتي، أنا مستعد للعمل في أي شيء حتى أوفر طعام الأسرة".
وكانت العائلات اللاجئة من سوريا لغزة قد حصلت سابقاً على شقق سكنية من المشاريع الخيرية وحصل آخرون على بدل أجرة سكن من (الأونروا) لكن أسرة الحوراني لم تحصل على شيء وقد عاشت شهوراً طويلة العام الماضي من دون تيار كهربي.
يقف عمر صبيحة كل يوم عاجزاً عن توفير مصروف المدرسة وقد صدمه قبل أيام تهديد ابنته الكبرى (7) سنوات بممارسة السرقة إن لم يوفروا لها المصروف المدرسي.