قائد الطوفان قائد الطوفان

مكتوب: "مكب للنفايات الطبية".. الحكومة برام الله تورّد أدوية منتهية الصلاحية إلى مستشفيات غزة

ارشيفية
ارشيفية

تحقيق - أحمد الكومي

تتفاقم مع مرور الوقت أزمة نفاد الدواء في قطاع غزة بصورة رفعت نسبة الاحتياج الشهري إلى مستويات قياسية، فرغت معها أرفف مستودعات وزارة الصحة في غزة؛ وبات من الصعب معها تقديم الدواء للمواطن في الوقت المناسب وبالكمية الموصوفة له.

هذا الأمر، زاد اعتماد وزارة الصحة على التبرعات والدعم الحكومي، وتحديدًا الوارد من المستودعات المركزية في مدينة رام الله بالضفة المحتلة. لكن ذلك تم استغلاله بطريقة حوّلت قطاع غزة إلى "مكبّ للنفايات الطبية"!

لم يكن الحديث في هذا الموضوع مسموحًا به، بداية الأمر، بالنسبة للمسؤولين في دائرة الصيدلة بوزارة الصحة في غزة، التي تعتبر المسؤولة عن متابعة عملية التسجيل الدوائي للواردات وخدمات الصرف، ومهام الرقابة الدوائية وجودتها.

يبرر جميع من قابلهم "مُعدّ التحقيق" في دائرة الصيدلة مواقفهم انطلاقًا من أن "غزة بحاجة إلى كل حبة دواء"، وأن الحديث في هذا الأمر يمكن أن تتخذه رام الله ذريعةً لخفض الدعم الوارد إلى مستودعات القطاع.بدون عنوان

سارت الأمور على النحو الذي فضّل فيه مسؤولو دائرة الصيدلة التجاوب مع مساعي التحقيق، علّهم يستطيعون إنهاء "سيناريو متكرر" بدأ عقب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2008-2009، بتأكيد أحدهم.

تحتاج وزارة الصحة في غزة إلى ما يقارب 33.6 مليون دولار من الأدوية سنويًا، بحسب التقرير السنوي للصيدلة في القطاع للعام المنصرم 2017.

وتتكون قائمة "الأدوية الأساسية" المتداولة خلال العام المذكور من 516 صنفا، وفق الخدمات التي تقدّمها الوزارة.

تُعرّف منظمة الصحة العالمية "الأدوية الأساسية" بأنها أدوية تمكّن من تلبية احتياجات السكان ذات الأولوية من خدمات الرعاية الصحية. وهي التي توضع بمقتضاها "لائحة المشتريات".

ويُفترض، وفق المنظمة، أن تكون الأدوية الأساسية متوافرة في النُظم الصحية "في كل الأوقات وبكميات كافية".

  أزمة مستديمة

بجوار "ملعب فلسطين" غرب مدينة غزة، يمكن ملاحظة حركة شاحنات ونقليات في تلك المنطقة حيث يتواجد مستودع الأدوية المركزي لوزارة الصحة في غزة.

في الطابق الثاني منه، يقودنا ممر طويل إلى مكتب الدكتور محمد النونو، رئيس لجنة الاتلاف في وزارة الصحة، الذي بدا منشغلا في تدقيق "طلب صرف" لأحد أصناف الأدوية المقرر إتلافه.

يدافع النونو عن عمله بالقول إن عملية إتلاف الأدوية لا تتم اعتباطا، بل وفق دراسة يتم بموجبها الإجابة عن سؤالين مهمين: ما مدى حاجتنا لهذا الدواء؟ ولماذا سأتلِفُه؟

تمتثل هذه العملية لنُظم "إمدادات الأدوية" الخاصة بمنظمة الصحة العالمية، والتي تقتضي عند قيام المخازن الطبية المركزية بالشراء من أجل التوزيع إلى المرافق الصحية، مراعاة أمور عدّة، من أهمها: "المخزون الموجود في متناول اليد"، و"الإهدار المتوقع بسبب انتهاء الصلاحية أو التلف".

يُكمل النونو بتأنٍّ: "كل قرص دواء غالٍ علينا، لأننا في أزمة مستديمة".

لكنه أبدى أسفه من أن الكميات التي يتم إتلافها من القطاع العام، تكون غالبًا لسببين: "إما أن الصنف فيه خلل فني وبالتالي يتم استدعاؤه من الشركة المنتجة، أو أن يكون قد وصل من الشحنات الواردة من مستودعات الوزارة برام الله".

تبلغ نسبة الأدوية الواردة إلى غزة من مستودعات رام الله 29%، و19% هي نسبة التبرعات، فيما كان البقية مشتريات بما نسبته 52%، بحسب التقرير السنوي للصيدلة في القطاع للعام 2017.

وقد أظهرت إحصائية حصل عليها "معدّ التحقيق" من دائرة المخازن بوزارة الصحة في غزة، ولجنة الإتلاف، أن عدد أصناف الأدوية الواردة من رام الله منذ بداية العام الحالي 2018 بلغ 274 صنفًا.

تقتضي الإشارة إلى أن الوزارة بغزة تراسل نظيرتها في رام الله عبر "طلب احتياج" تدوّن فيه كل احتياجاتها الشهرية من الدواء.

بلغ عدد أصناف الدواء في طلبات الاحتياج الصادرة من غزة إلى رام الله هذا العام 512 صنفًا. وبمقارنة هذا الرقم مع الوارد منذ بداية العام وحتى نهاية شهر أغسطس، يتضح أن مجموع ما ترسله رام الله هو بحدود النصف فقط.بدون عنوان

الخطير في الأمر، هو ما أظهرته الأرقام الواردة في الإحصائية بأن 80 صنفًا من كمية الأدوية التي توردها رام الله -أي من الـ 274 صنفًا-، بما نسبته 30%، ينتهي تاريخ صلاحيتها في مدة "أقل من شهر فقط"!

كما ظهر أن 150 صنفًا تنتهي صلاحيتها في مدة 1-3 شهور، فيما يبقى 44 صنفًا آخر تنتهي صلاحيتها في مدة أكثر من 3 شهور.

يشير النونو إلى أن "النظام الصحي" يحدد لتوريد الأدوية فترة زمنية معينة لا يجب أن يتخطاها العمر الافتراضي للدواء، "بمعنى أنه إذا كان لدينا دواء عمره الافتراضي 3 سنوات، فلا يسمح بقبول الصنف إذا كان متبقى له أقل من ثلث الفترة"!

ويدعمه في القول، منير البرش، مدير عام الصيدلة بغزة، الذي أكد "أن الدواء عندما يدخل المستودعات المركزية لوزارة الصحة، لابد أن يكون متبقى له سنتان على الأقل من تاريخ انتهائه"!

لجنة الاتلاف: يتم التعامل مع غزة منذ عام 2009 باعتبارها "مكبًّا للنفايات الطبية"

للاستيضاح أكثر، لجأ "معدّ التحقيق" إلى مقاربة ذلك مع تجربة القطاع الخاص فيما يتعلق بتحديد العمر الافتراضي للدواء، الذي يسمح إما بإبقائه في السوق أو سحبه، بما يحفظ سُمعة الشركة المصنّعة.

على أطراف مدينة بيت حانون شمال قطاع غزة، في المنطقة الصناعية تحديدًا، تتواجد "شركة معامل الشرق الأوسط لصناعة الأدوية ومستحضرات التجميل"، التي تُعرف اختصارًا باسم "ميجا فارم"، وهي تعتبر أكبر مصنّع للدواء في القطاع.

يقول مديرها العام، الدكتور مروان الأسطل، إن لدى الشركة "فريق مراقبة" يقوم بـ "جمع وسحب أيّ دواء في السوق الخاص قبل ثلاث شهور من تاريخ انتهائه".

"الشرق الأوسط لصناعة الأدوية": نسحب الدواء من السوق الخاص قبل 3 شهور من انتهائه

يبرر ذلك بقوله: "نفعل ذلك احتياطًا؛ للتأكد من جمعه قبل انتهاء تاريخه الرسمي؛ لأن ذلك يتعلّق بحياة مريض".

يتمّ بعدها، وفق الأسطل، مراسلة لجنة الإتلاف التابعة لوزارة الصحّة، للتأكد من أن الأدوية التي تمّ جمعها شارفت على الانتهاء، ثم تقوم بدورها بعملية الإتلاف بإشراف سلطة البيئة.

وبالتالي، فإنه إذا ما تمّ معاملة الأدوية الواردة من رام الله إلى غزة في العام الحالي 2018، بموجب الإجراء الذي يتّبعه القطاع الخاص في التعامل مع الأدوية التي شارفت على الانتهاء، فإن 230 صنفًا من الأدوية التي تنتهي صلاحيتها في مدة أقل من شهر، وأقل من 3 شهور، من مجموع 274 صنفًا سيتم إتلافها، وهو ما تقوم بها وزارة الصحة في غزة عمليًا.

بما يعني ضمنيًا أن هذه الأدوية المُتلفة يسري عليها وصف "المنتهية الصلاحية"؛ بالنظر إلى عدم استفادة المريض منها في قطاع غزة.

المفارقة، أن لكلّ دواء عمره الافتراضي الذي "لا يقل في غالبية أصنافه عن سنتين حتى تاريخ نهاية صلاحيته"، وفق الأسطل، الذي أضاف أن "العقاقير عمرها ثلاث سنوات، والكريمات والمراهم ثلاث سنوات أيضًا". وهو الأمر الذي يدعو إلى التساؤل: لماذا ترسل رام الله الدواء إلى غزة قبل شهر من انتهاء صلاحيته؟

بدون عنوانوتحظر المادة (67) من قانون الصحة العامة رقم (20) لسنة 2004 "التداول بالبيع أو الشراء أو الصرف أو الاستخدام، لأي عقاقير طبية تكون منتهية صلاحيتها وفقًا للتاريخ المدون عليها".

يتبقّى أن نعرف أن 11 صنفًا من الكمية الواردة إلى غزة من رام الله هذا العام، هي من خارج قائمة طلب الاحتياج، وهذا الأمر فتح الباب واسعًا أمام تساؤلات أخرى، أجاب عنها البرش، حين كشف عن أن هذه الأدوية تكون عادة تبرعات سبق أن رفضوا استلامها في غزة، وعادت إليهم محملة عبر شاحنات رام الله!

يضرب البرش مثالًا على ذلك بالقول: "منظِّمات الحمل والأسرة تأتي بكميات ضخمة جدًا، ونرفضها لأننا لسنا بحاجة لها، فنتفاجأ لاحقًا أنها عادت إلينا من رام الله، وتسجّل علينا مساعدات واردة منهم".

الأمر الأكثر غرابة، هو أن نصف كمية الأدوية التي هي من خارج قائمة الاحتياج (11 صنفًا)، بما مجموعه 6 أصناف بحسب تقرير لجنة الإتلاف، لا يمكن الاستفادة منها، أي أنها عُرضة للإتلاف أيضًا!

يدعم هذه الخلاصة، ما أورده التقرير السنوي للصيدلة في قطاع غزة 2017، بأن كمية إتلاف المستحضرات الصيدلانية (الأدوية والمهمات الطبية) بلغت 107.9 كوب، في العام نفسه.

وأظهر التقرير أن 54.5 كوب من مجموع ما تم إتلافه العام الماضي، بما نسبته 50%، مصدرها "جهات حكومية"!

بدون عنوان

هذا الأمر، يُخالف نُظم "توزيع الأدوية" الخاصة بمنظمة الصحة العالمية، والتي تحثّ "الحكومات الوطنية" على ثبات إمدادات الأدوية، وتقليل إهدارها بسبب التلف وانتهاء الصلاحية.

يقول منير البرش، مدير عام الصيدلة بوزارة الصحة بغزة، إن "كثيرًا من المساعدات التي تأتي إلى قطاع غزة، يتضح بمجرد وصولها أنها قريبة الانتهاء أو منتهية الصلاحية".

مدير عام الصيدلة بغزة: تصلنا "أدوية فائضة" من مستودعات رام الله

وأكد أن "بعض الأدوية كانت تأتي من الحكومة المركزية برام الله، التي هي مشرفة على مناقصات الأدوية، تكون قريبة الانتهاء، وفي بعضها لا تستخدم أو بمعنى منتهية الصلاحية".

ويضيف البرش بكثير من الامتعاض: "وصلتنا أدوية كانت فائضة في مستودعات الوزارة برام الله، وتم إرسالها إلى قطاع غزة باعتباره مكبًا للنفايات الطبية"، على حدّ وصفه!

ويدعمه في القول، النونو: "للأسف، منذ فترة طويلة تصل مستودعات الوزارة بغزة كميات من الدواء، جزء منها على قدر احتياجنا، وجزء منها أكثر من احتياجنا، والعمر الافتراضي للدواء يكون ضئيلًا، وبالتالي تكون إمكانية الاستفادة منه ضئيلة جدًا (...) هذا السيناريو حدث كثيرًا، وللأسف متكرر".

واستدعى النونو مثالًا على إدارة عملية إتلاف الأدوية قائلًا: "أنا أحتاج ألف عبوة في الشهر من صنف دواء معين، فإذا وصلني 5 آلاف عبوة منه، العمر الافتراضي له 20 يومًا، ماذا بإمكاني أن أتصرّف؟ لا أستطيع أن أفعل شيئًا. وبالتالي يتم إرسال هذه الكمية وهو محكوم عليها بالإتلاف".

تتم عملية إتلاف الأدوية في مكب النفايات بمنطقة جحر الديك شرق مدينة غزة، بينما يتم إتلاف "الأدوية المراقَبة"، أي الخاضعة للرقابة، حرقًا في محرقة مستشفى ناصر بالمحافظة الوسطى، أو مستشفى الشفاء بمدينة غزة؛ لما تمثله هذه الأدوية من خطورة على صحة المواطن.
يُحذّر رئيس لجنة إتلاف الأدوية في غزة من أن "إتلاف الأدوية والتخلص منها يخلق كارثة بيئية؛ بسبب أن مساحة قطاع غزة محدودة جدًا، وبالتالي فإن عملية الاتلاف تشكل عبئًا بيئيًا على القطاع".

كما إنه اعتبر أن عمليات إتلاف الأدوية تمثّل "إهدارًا للمال العام". إذا ما علمنا أن القيمة المالية لكمية أصناف الأدوية الواردة من خارج قائمة طلب الاحتياج لعام 2018، والتي هي عرضة للإتلاف، تبلغ (52.604) دولار أمريكي!

وبما أن عملية الإتلاف تقتضي التعويض، وفق النونو، فإن ذلك يتم العمل به مع القطاع الخاص. لكنه قال إن التعويض عن الأصناف الواردة من رام الله "قد يحصل، وغالبًا لا يتم".

يوجد في قطاع غزة 96 مستودعًا وشركة دوائية، موزعة على محافظات قطاع غزة، وفق التقرير السنوي للصيدلة 2017.

ويعمل في القطاع 13 مستشفى، تضم 2.211 سريرًا حتى نهاية 2017، تقدّم خدماتها الصحية لنحو 1.9 مليون مواطن فلسطيني.

بدون عنوان

معاينة بالعين

يتم توريد الأدوية إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم التجاري، جنوب القطاع. وتحتفظ وزارة الصحة بطواقم لديها على المعبر، تقوم بمهمات الرقابة الدوائية والتفتيش لكل الأصناف الواردة.

وتجري الوزارة عملية فحص وتحليل وسحب عينات لكل صنف دواء يدخل القطاع من خلال "دائرة الرقابة الدوائية"؛ بهدف التأكد من أنه مطابق لمواصفات الجودة والأمان. لكن "معدّ التحقيق" كشف عن أن هذه الإجراءات الرقابية لا يتم اتباعها مع الأدوية الواردة من رام الله!

تكتفي طواقم وزارة الصحة في غزة بإجراء "معاينة فيزيائية" فقط على "أدوية رام الله"، أي مراقبة الشكل الخارجي للدواء فقط، أو بعبارة أخرى "معاينة بالعين المجرّدة"، دون إجراء تحليل وسحب عينات وعمليات فحص.

أكّد ذلك الدكتور أيمن كردية، مدير دائرة الرقابة الدوائية في وزارة الصحة بغزة، "لكونهم يعتمدون على تحليل الوزارة في رام الله"، كما قال.

علاوة على ذلك، اتضح أن وزارة الصحة بغزة لا تملك نُسخًا من "فحوصات التحليل" للأدوية الواردة من رام الله؛ لأنه "لا يتم إرسالها من رام الله"، وفق قول كردية!

دائرة الرقابة الدوائية: نكتفي بمعاينة الشكل الخارجي للدواء الوارد من رام الله دون تحليله

وبحسب كردية، فإن الوزارة بغزة تكتفي في هذه الحالة بمتابعة أيّ شكوى ترد على الأدوية. يضيف: "نحن لدينا قسم لمتابعة الشكاوى ورصد الآثار الجانبية لأي دواء".

يصف البرش، مدير عام الصيدلة بغزة، قيام رام الله بتوريد أدوية منتهية الصلاحية أو شارفت على الانتهاء بأنه "استغلال للظروف، وفساد من المانحين اتجاه قضية إنسانية".

ويشدد على أنه "كان لابد أن نقف عند مسؤولياتنا بمنع هذا الفساد الإداري والمالي الذي يستغله المانحون وتستغله أيضا سياسات الحكومة في الانقسام السياسي، بحيث إن رام الله تتحكم في مجموع المنح الواصلة إلى غزة".

ومن المهم الإشارة إلى أن نظام "تنظيم الأدوية" الخاص بمنظمة الصحة العالمية يوصي بأن التنظيم الفعال للأدوية يعزز ويحمي الصحة العامة عن طريق ضمان أمور عدة، من أهمها: "عدالة استهلاك الدواء"، و"عدم إعاقة الحصول على الأدوية بواسطة عمل تنظيمي غير مبرر".

على النقيض من ذلك يعتقد البرش أن "بعض تجار الحروب، وجدوا فرصة لإدخال هذه الأدوية، التي عندما يتم إرسالها قريبة الانتهاء يكون سعرها منخفض جدًا، وبالتالي يتربح المانحون بشكل كبير"، كما قال.

وتنص المادة (3) من قانون حماية المستهلك رقم (21) لسنة 2005 على ضرورة "حصول المستهلك على المعاملة العادلة دون تمييز من قبل مزود المنتج أو المصنع".بدون عنوان

وهنا، فضّل النونو، رئيس لجنة الإتلاف، مخاطبة المسؤولين في رام الله، متسائلًا: "لماذا يتم شراء كميات كبيرة من الدواء معروف أنه لن يتم الاستفادة منها؟ لماذا هذه الكميات باقية عندكم في المخازن؟".

يجيب: "معنى ذلك أنكم اشتريتم كميات أدوية أعلى من الاحتياج، أو بقيت عندكم في المخازن وعندما شارفت على الانتهاء تم إرسالها إلى قطاع غزة"، مضيفًا: "كانت غزة منذ عام 2009 عبارة عن مكب للنفايات الطبية، والتخلص من فساد إداري في أماكن أخرى، ثم يسمونها تبرعات تعدّ على شعبنا الفلسطيني الذي دفع دمه مقابل الحفاظ على كرامته".

حلقة مفرغة

حاول "مُعدّ التحقيق" الحصول على إجابات من المسؤولين في وزارة الصحة برام الله، لكن صالح الثوابتة مدير عام مستودعات الأدوية المركزية للوزارة قال إنه "ليس لديه صلاحية بالتصريح بأيّ شيء يتعلّق بالدواء الموجّه لغزة".

وأضاف: "إذا جاءني قرار من مكتب الوزير بهذا الموضوع، فلا يوجد عندي مشكلة؛ لأنني سأتحدث حينها بلسان الوزير".

وبعد سلسلة اتصالات مكثفة، وتجاهل "دائرة العلاقات العامة" بوزارة الصحة في رام الله لمخاطبة رسمية عبر البريد الإلكتروني، بناء على طلبها، وعدم استجابة المتحدث باسم الوزارة لمراسلاتنا، استطاع "معدّ التحقيق" مهاتفة وزير الصحة في الحكومة الفلسطينية الدكتور "جواد عوّاد"، الذي افتتح حديثه بالتأكيد بأن الدعم الحكومي لغزة من الأدوية، متواصل.

لكن حين طلبنا من وزير الصحّة ردًا رسميًا على شكاوى دائرة الصيدلة في غزة بشأن أدوية منتهية الصلاحية وأخرى شارفت على الانتهاء، رفض الردّ، وطلب أن نهاتف مدير عام الصيدلة في الوزارة لأنه "لا يعلم شيئًا عن هذه الأمور"، كما قال.

بادرنا، بناء على توجيه وزير الصحّة، بالاتصال بمدير عام الصيدلة في رام الله، الدكتورة رانيا شاهين، التي امتنعت هي الأُخرى عن الحديث في هذا الشأن، وطلبت أن نعود إلى مدير عام المستودعات "الثوابتة"؛ لأن "هذا الموضوع ليس عندها"، على حدّ قولها.

وزير الصحة: لا أعلم شيئاً عن هذه الأمور

يتضح إذن أننا أمام ثلاث دوائر في وزارة الصحة برام الله، تعتبر مسؤولة بشكل مباشر عن توريدات الأدوية إلى قطاع غزة، امتنعت عن الإجابة ولم تبادر حتى إلى نفي إرسال أدوية منتهية الصلاحية أو شارفت على الانتهاء؛ الأمر الذي يؤكد صحّة ما ذهب إليه التحقيق.

وبالتالي، يمكن القول إن وزارة الصحة في رام الله تحرم مواطني قطاع غزة من العلاج، بما يتعارض مع مبدأ "الحق في الصحة"، وبما يخالف دستور منظمة الصحة العالمية، الذي أقرّه مؤتمر الصحة الدولي عام 1946، وينصّ على أن "التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه هو أحد الحقائق الأساسية لكل إنسان، دون تمييز بسبب العنصر أو الدين أو العقيدة السياسية أو الحالة الاقتصادية أو الاجتماعية".



بدون عنوان

البث المباشر