قائد الطوفان قائد الطوفان

مكتوب: "الشهيد السرساوي"  لم يكن فارس العائلة الأول

صورة
صورة

غزة- رشا فرحات    

المقعد فارغ، صاحبه رحل، فارس السرساوي ابن الصف الخامس ذهب صباح الجمعة الماضية وترك زملاؤه يفتقدونه في الصف وبدلا منه وضعوا باقة من الأزهار على مقعده، بينما صرخ صديقه المجاور في ذات المقعد " سنعلق صور فارس في كل المدرسة، راح ننشرها وين ما كان".

وفي شارع المنصورة، أحد شوارع حي الشجاعية الذي تتحدث جدرانه عن أبطال صغار يروون لنا من خلال مقاليعهم الصغيرة كيف يرضعون الجرأة والجسارة من صدور أمهاتهم.

ويقع شارع المنصورة بالقرب من الحدود، وهذا القرب جعل من المداومة على حضور المسيرات فكرة لازمت فارس منذ بدايتها، فهو على حد قول والده يتمتع بجسارة وقوة جسد، لا يخاف شيئا ولا يهاب المحتل، وظل يردد منذ بداية المسيرات بأن هذه فرصته للشهادة.

ولم يكن هو الفارس الأول في عائلة السرساوي فقبل اثني عشر عاما وقبل ولادة فارس بأيام توفي ابن عم والده الذي يحمل ذات الاسم كما يقول والده للرسالة: كان ابن عمي وصديقي، ورحل شهيدا قبل ولادة فارس فأسميت ابني على اسمه، وها هو الفارس الثاني يرحل شهيدا مرة أخرى".

ويسترجع والده بيدان مرتجفتان ذكرى رحيل ابنه قائلا: أتاني خبر اصابته، وركضت إلى المستشفى اغالب دمعتي وأتمنى من الله أن يكون الخبر كاذبا، ولكني لم أصل، فقد سمعت خبر استشهاد ابني من خلال راديو السيارة التي تقلني إلى المستشفى، فوقع عليّ الخبر كالصاعقة".

ويستدرك كلماته بينما يفرك كفيه ببعضهما حزنا وغضبا يختلطان ويكبحان الدمع في المقل، ثم يعلق: "أنا سعيد لأن ابني شهيد، وأعرف كرامات الله للشهداء وذويهم، وأعرف أن ابني الآن في عالم أفضل من عالمنا، ولكني أب، فراق ابني عزيز عليّ، ولم أتمالك نفسي إلا والدموع تنزل من عيني، وكلما خلوت إلى نفسي بكيت فارس، لأنه ابني الذي فارق الحياة صغيرا، والذي من حقه أن يحيا حياة كريمة بدون عنف محتل أو تهديد لأمنه".

ثم يسرد على مسامع الرسالة متحسراً على جمال الذكريات: يظل فارس طوال الليل يصنع مقلاعا من القماش، وأنا أعلم أن حجارته لا تصل إلى أهدافها أبدا، ويجمع الكاوتشوك من الحارة ليحرقها في اليوم الثاني على الحدود!

 وفي تلك الليلة كان يريد الذهاب لمشاركة وحدة الارباك الليلي فمنعته وخفت عليه لصغر سنه، خاصة أن الطريق إلى هناك خالية ومليئة بالكلاب الضالة، وحينما منعته حزن بشدة وبكى لثلاث ساعات حتى خلد إلى النوم.

أمه التي كانت تغالب حزنها بابتسامة بدأت حديثها قائلة وكأنها تسرد على مسامعنا ومسامعها الخبر للمرة الأولى:" فارس استشهد" ما الذي سأقوله بعد ذلك، هو أراد ذلك، كان عنيدا بالفعل، ويصر دوما للذهاب في كل جمعه، ولا يمنعه عن ذلك شيء، حتى أنه كان يريد أن يذهب ليلا، لكني ووالده كنا نمنعه، مع أننا نعرف تماما أنه على حق، فما الحل في هذا الحصار الخانق، إذا لزمنا جميعا بيوتنا متفرجين، كيف سنحرر أنفسنا من هذا الحصار، كيف ستعود البلاد ؟! ابني يعلم تماما أن دماؤه لن تذهب هدرا، وسيأتي يوم تعود فيه بلادنا بدماء شهيد آخر.

وتبتسم بينما تقلب حقيبة المدرسة وتخرج منها كتبه وقميصه الأزرق، وتقول: رحمه الله كلما قلت له أدرس لتكبر وتتخرج من الجامعة كان يقول: أنا أريد أن أكون شهيدا.

وسقط يوم الجمعة الماضية ثلاثة شهداء كان فارس واحدا منهم، وسجلت وزارة الصحة في تقريرها الأسبوعي 376 اصابة مختلفة تم تحويل 192 منها الى المستشفيات من بين الاصابات 126 بالرصاص منها 7 حالات خطيرة  من بين الاصابات 10 اناث 30 طفل وتم انتهاك  ضد 2 سيارة اسعاف وخيمة طبية بالرصاص المباشر و اصابة مسعف بإصابة خطرة وصحافية.

البث المباشر