استمرار التحشيد الشعبي والجماهيري عبر مسيرات الحدود رسالة واضحة أن شعبنا الفلسطيني لم يقنع بالحلول الجزئية، وأن الحل الوحيد برفع الحصار الكامل والشامل وحل إشكاليات غزة من الباب للمحراب وليس تسليمها وإذعانها.
ويبدو أن غزة قادرة على المواصلة لأشهر طويلة، ومن يظن سيكبح الشتاء المسيرات والحشودات فأظنه مخطئ، فهذا الشعب مبدع وقادر على ابتكار أساليب تحول الشتاء للعنة وقلق للاحتلال، فدائرة المشاركة تتسع، ونوعيتها تتطور والإصرار يزيد، والاندفاع أقوى من ذي قبل، لهذا قوبلت تهديدات وقرارات ليبرمان بالضحك والسخرية في أوساط المتظاهرين، وهم يتساءلون ماذا يريد ليبرمان من شعب مستعد للموت حينما انعدمت الحياة؟
فمسيرات العودة ترسم مسارا جديدا هذه الجمعة وتتجاوز حاجز الخوف، وفكرة التقدم وتجاوز السياج بجماهير غفيرة بات عملا ممكنا وقريبا، عندما ارتفع المنطاد في سماء الوسطى، انشغل به الجنود والقناصة، لحظتها اندفع الشباب وقصوا السلك، وصلوا الى الجنود الذين لأول مرة نراهم يمشون راجلين على الحدود ذهاب وإيابا، فاشتبك أربعة متظاهرين أبطال دخلوا الحدود، ووصلوا إلى نقطة قناصة والتحموا مع الجنود الإسرائيليين وتعاركوا معهم، لكن استخدام العدو للسلاح أدى لاستشهاد ثلاثة منهم.
ما يحدث في مسيرات العودة مشاهد أسطورية حقيقية كنا نشاهدها فقط في السينما فتلتهب قلوبنا، فما بالكم اليوم بشعبنا الذي يرسم صورة تضحية وثورة وإقدام لا يتكرر إلا بالخيالات الواسعة، إننا أمام مرحلة نتباهى بها كثيرا نعتز بفلسطينيتنا أمامها، من لا يريد مسيرات العودة خشية على دم عشرات الشهداء، فسيواجه واقعا مأساويا نذبح فيه كالنعاج بعشرات الآلاف.
دماء هؤلاء الأبطال تحمي قضيتنا.. تحمي شعبنا، تذب عنا الموت والخوف والجوع والذلة، إن مفهوم التضحية يبرز في أسمى معنى وأعظم حدث مع هؤلاء الفدائيين، كل شهيد في مسيرات العودة مدرسة في التضحية والبطولة، كل منهم حكاية خاصة جدا محشوة بتفاصيل، نظرات عيونهم تقول إننا شهداء، كنا شهداء، صرنا وما زال القطار يسير بطاقته القصوى، واثق كما أكتب لكم اليوم أن دماء هؤلاء لن تذهب هدرا إن الذي يذهب هو الطغيان.
واجبنا الاجتماعي ومسؤوليتنا الوطنية الانتفاض والتكاتف والتعاضد والتعاون، من أجل رفعة هؤلاء وتكريمهم وتعظيمهم، فشهداؤنا أقمار حقيقية، تضيء لنا الطريق، والشعوب الأبية تكرم شهداءها وجرحاها باقتفاء إثرهم والانتباه لعوائلهم وتعظيم أسمائهم ونشرها في الربوع.