يغيب الانسجام عن الجوقة السياسية في (إسرائيل) بخصوص غزة وإن أسمعنا قادة الاحتلال طوال الأسبوع الماضي لحناً صاخباً عن الحرب القادمة.
في حين تباينت آراء القيادة العسكرية حول تأجيل حرب غزة يقول السياسيون إن ثمّة جبهات أكثر خطورة يقصدون الشمال والقوة الإيرانية في سوريا ولبنان.
وحده بقي (نفتالي بينيت) المندفع أكثر وهو يتوعّد غزة في حين يدفع قادة المستوطنين واليمين (نتنياهو) نحو الحرب ويحاول هو التملّص.
وأمام إرادة دولية متصاعدة لتصفية القضية الفلسطينية بقيت معضلة غزة تتحرك باضطراب، ومع استمرار مسيرة العودة يسعى الاحتلال بمعاونة أطراف إقليمية لتقديم تخفيف جزئي في الحصار وترنو غزة للعيش بكرامة.
اختلاف التقييم
المتنافسون على المقاعد الحكومية أكرموا وسائل الإعلام (الإسرائيلية) الأسبوع الماضي بسلسلة تصريحات وتهديدات لغزة معظمها مرده انتخابات مبكرة في حين بقي العسكر أكثر واقعية.
ويؤكد حاتم أبو زايدة الخبير في الشئون الإسرائيلية أن المؤسسة العسكرية لديها تقييم مختلف، فالسياسيون يعيشون مزايدات وتنافسا حزبيا قد يمضي نحو انتخابات مبكّرة خاصّة بين (ليبرمان) ممثل اليمين العلماني وأقطاب (الليكود) ومنهم (نتنياهو) و(نفتالي بينيت) الذي يغازل اليمين المتطرف والمستوطنين.
وكان جيش الاحتلال أوصى قيادته السياسيّة، خلال جلسة (الكابينيت) الماضية بالامتناع عن أيّ مواجهة عسكرية في غزة قبل نهاية العام 2019، حتى يكتمل بناء الجدار العازل.
ووفقًا لقادة عسكريين كبار فإن الوضع الإنساني في غزة منهار ما يعني أن أي حربٍ مقبلة ستضرّ بمدنيي القطاع ما سيؤدي إلى أن انتقادات دولية حادة.
ويتابع أبو زايدة: "بينيت أكثر شخص يحاول الآن كسب رضا المستوطنين بالحرب ويمارس دعاية انتخابية، فقبل يومين أمضى ليلته في بيت مستوطن بغلاف غزة وفي الصباح زار مدرسة أطفال قريبة".
(نتنياهو) قال في مطلع الجلسة الاسبوعية لحكومته، "نحن قريبون من ضربات قوية في غزة، وأقترح على حماس وقف النار" بينما صرّح (ليبرمان) قائلاً:" لا خيار أمام (إسرائيل) سوى شن عدوان شديد ضد قطاع غزة، ولا يوجد احتمال للتوصل إلى تهدئة".
ويقول د. محمود العجرمي الخبير في الشئون الأمنية إن حكومة وجيش الاحتلال لا يملكان استراتيجية في التعامل مع غزة منذ عام (2006) وأن ما يقال يراوح المزايدات السياسية وأن أقصى ما يحدث هو ضربات جويّة في ظل رغبة دولية بتهدئة.
الأقرب لرأي المؤسسة العسكرية هو ما أدلى به وزير الطاقة الإسرائيلي، "يوفال شتاينتش"، حين كشف عن خوفه من اندلاع حرب جديدة بغزة، لا يكون لها أهداف واضحة مضيفاً:" يجب اتخاذ كافة التدابير من أجل التوصل إلى تهدئة مع حماس بغزة، سأتخذ دور الجبان، أنا متخوف من اندلاع حرب ضد حماس بدون أهداف".
أما د. أحمد رفيق عوض المحلل السياسي فيرى أن (إسرائيل) مرتبكة وهي منقسمة إلى فئتين الأولى ترفض حربا لا تحقق تغييرا استراتيجيا والثانية تدعو لعدوان يبقي المقاومة ضعيفة.
ويتابع:" لا توجد خطة ولو قصيرة المدى، الحراك السياسي حول غزة هو تحسين شروط التهدئة فالاحتلال يريد تهدئة بمقاييسه وحماس تريد كسر الحصار".
سوريا وإيران
صحيح أن النقر اليومي على جبهة الجنوب لكن الصوت يسمع جليّاً في الشمال، فقيادة الاحتلال قلقة من ضيوف الجولان وجنوب لبنان بحضور ميداني لإيران وحلفائها.
ويقول الخبير أبو زايدة إن الجيش يمنح الخطر على جبهة الجولان وسوريا وحزب الله أولوية ولديه اهتمام جزئي في توتر بالضفة بعد عدة عمليات فردية أما غزة فالاعتبار المهم فيه عملياتي يراعي اكتمال بناء الجدار عام (2019).
(نتنياهو) تناول الحرب في أكثر من جبهة قائلاً:"أعرف مدى سوء الحروب وكم هي مؤلمة، أفعل كل شيء لمنع الحروب غير الضرورية، ولكن اذا فُرض علينا العمل ضد أعدائنا، فإنهم سيشعرون بقدراتنا" ملّمحا أن الهجمات ضد الأهداف الإيرانية في سوريا ستتواصل.
ويرى الخبير العجرمي أن (إسرائيل) قلقة من الوجود الإيراني في سوريا وكذلك ما قال إنه امتلاك حزب الله لعشرات آلاف الصواريخ القادرة على ضرب العمق.
تسهيلات غزة
صحيح أن هناك حراكا نشطا حول غزة وسلسلة زيارات مكوكيّة لكن ما تريده (إسرائيل) هو تسهيلات جزئية تقف معها مسيرة العودة دون كسر الحصار لمواصلة إضعاف المقاومة.
ويقول الخبير أبو زايدة إن الجيش لا يريد الحرب الآن لأنها ستعود به للمربع الأول بعد سقوط آلاف القتلى وتدمير غزة وتردي الوضع الإنساني.
أكثر ما يصبغ المواقف السياسية الإسرائيلية هو التردد وما يخاطب به القادة الجمهور هو محاولة امتصاص أصواتهم الانتخابية قريباً لكن قرار الحرب يعي تفاصيله جيداً قادة الأمن والعسكر.
ويرى الخبير العجرمي أن غزة مقبلة على تسهيلات اقتصادية بغض النظر عما تتخذه السلطة الفلسطينية من إجراءات لأن الهدوء يمنع الانفجار الذي لا يريده الإقليم عامةً.
وفي ظل تشابك وتباين الآراء والمصالح السياسية والأمنية للأطراف الإقليمية من حول غزة تبقى مسيرة العودة مستمرة ويبقى دخول تسهيلات اقتصادية جزئية يمضي ببطء سلحفاة فيما قد تتدحرج كرة التصعيد في أي لحظة بسرعة الأرنب.