مكتوب: "بكرة أحلى".. آخر ما خط الشهيد أبو عرمانة على مرآة منزله

خلال تشييع جثمان الشهيد
خلال تشييع جثمان الشهيد

غزة- محمود فودة

بعد أن لبس بلوزته البيضاء وعلق على كتفيه "كوفية الثورة"، اتجه تامر صوب مرآة المنزل وصفف شعره، ثم خط عليها "بكرة أحلى"، وكأنما كان يعلم بأنه سيكون في عالم آخر، ليقف قليلا على مدخل منزلهم ينظر في عينيّ والده، قبل أن يرحل بلا عودة.

لم يكن يدري إياد أبو عرمانة والد الشهيد تامر أن صفة "البيتوتي" التي كانت تلازم ابنه ستعود بالألم عليه، بعد أن رحل الوجه الذي اعتاد رؤيته في أروقة المنزل باستمرار، حتى اللحظات الأخيرة التي سبقت توجهه لمخيم العودة شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة للمشاركة في جمعة "انتفاضة القدس" ضمن فعاليات مسيرات العودة وكسر الحصار.

ولا يكف والد الشهيد الذي تحدث لـ"الرسالة" عن قول "الله يسهل عليه" فهو آخر من رأى الشهيد من أفراد أسرته الذين كانوا في زيارة عائلية وقت خروج الشهيد إلى مسيرات العودة، حينما وقف تامر على مدخل الشقة، وقبض بيديه على طرف الباب، قبل أن يرحل تاركا نظرات لا تغيب عن ذاكرة والده الذي يتذكره بالبكاء.

"ليش قتلوه، كان بعيدا عن الحدود أكثر من 300 متر، ويلبس بلوزة بيضاء، أبيض يعني السلام"، يتساءل والد الشهيد عن مسببات إطلاق القناص الرصاص صوب تامر صاحب ال 21 عاما دون أن يقدم على فعل أي شيء يخدش المقاومة السلمية المشروعة لأي إنسان في العالم.

ومما ذكره والد الشهيد أن تامر من مواليد يوم الأرض عام 1997 الذي حددته الهيئة الوطنية العليا لبدء مسيرات العودة، بينما بات تامر أحد شهدائها بعد مرور 200 يوم على انطلاقها في مارس العام الجاري.

تامر شهيد حي البرازيل جنوب مدينة رفح الملاصق للحدود الذي كان محتلا حتى عام 2005، تربى على اجتياحات الاحتلال لحيهم، ولطالما نام الليالي الطوال على صوت الرصاص والقذائف، وكان له نصيب أن يفلت منهن، ويتلقى رصاصة قناص بعد ثلاثة عشر عاما من انسحاب الاحتلال.

ومما كشفت عنه عائلة الشهيد لـ"الرسالة" أن تامر قضى عاما كاملا في رحلة صيام مستمر، انتهت بعد عيد الفطر الأخير، بينما تشهد إضاءة "الليدات" في ظل انقطاع الكهرباء على ختمات القرآن المتكررة لتامر، حتى أنه كان يختفي لأيام طويلة عن شوارع حارته، ملتهيا في صيامه وقراءة القرآن.

وفور أن علم والد الشهيد من أحد أبنائه أن إصابة خطيرة لشاب يلبس بلوزة بيضاء على الحدود الشرقية لرفح هبّ مهرولا إلى مستشفى أبو يوسف النجار شرق المدينة، ليصادف صحفيا كان قد وثق لحظة إصابة تامر، فألقى لسانه كلمات الوداع العفوية: "هذا ابني الشهيد، الله يرحمك يابا".

توجه الوالد إلى ثلاجة الموتى ليجد فلذة كبده مسجى على قطعة الحديد الباردة، فيقول عن تلك اللحظات: "تخيلته نائما على سريره في بيتنا، وددت لو أيقظته لصلاة الفجر كما اعتاد، أو أن يرافقني لقضاء مشاوير العائلة، لكنني في ثانية تذكرت أنه بات شهيدا، سننتظره غدا في البيت، محمولا على الأكتاف".

البث المباشر