يصادف اليوم الجمعة، الذكرى الـ23 لاستشهاد الأمين العام المؤسس لحركة الجهاد الإسلامي فلسطين، الدكتور فتحي إبراهيم الشقاقي، والذي رفع شعار المقاومة ضد المحتل ونادي بالوحدة الوطنية وكان حريصاً على المشروع الإسلامي.
الشهيد المعلم الدكتور فتحي إبراهيم عبد العزيز الشقاقي مؤسس وأمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، من قرية « زرنوقة » بالقرب من يافا في فلسطين المحتلة عام 1948. شردت عائلة الشهيد المعلم من القرية بعد تأسيس الكيان الصهيوني عام 1948 وهاجرت إلى قطاع عزة حيث استقرت في مدينة رفح، وأسرة الشهيد المعلم الشقاقي هي أسرة فقيرة حيث يعمل الأب عاملاً.
ولد الشهيد المعلم فتحي الشقاقي في مخيم رفح للاجئين عام 1951، وفقد أمه وهو في الخامسة عشرة من عمره، وكان أكبر إخوته، درس في جامعة بيرزيت بالضفة الغربية وتخرج من دائرة الرياضيات وعمل لاحقاً في سلك التدريس بالقدس في المدرسة النظامية ثم جامعة الزقازيق، وعاد إلى الأراضي المحتلة ليعمل طبيباً في مشفى المطلع بالقدس وبعد ذلك عمل طبيباً في قطاع غزة.
لم يكن الشقاقي بعيدًا عن السياسة، فمنذ عام 1966م أي حينما كان في الخامسة عشرة من عمره كان يميل للفكر الناصري، إلا أن اتجاهاته تغيرت تمامًا بعد هزيمة 67، وخاصة بعد أن أهداه أحد رفاقه في المدرسة كتاب 'معالم في الطريق' للشهيد سيد قطب، فاتجه نحو الاتجاه الإسلامي، ثم أسَّس بعدها 'حركة الجهاد الإسلامي' مع عدد من رفاقه من طلبة الطب والهندسة والسياسة والعلوم حينما كان طالبًا بجامعة الزقازيق.
قاد بعدها الشهيد المعلم حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وسجن في غزة عام 1983 لمدة 11 شهراً، ثم أعيد اعتقاله مرة أخرى عام 1986 وحكم عليه بالسجن الفعلي لمدة 4 سنوات و5 سنوات مع وقف التنفيذ: لارتباطه بأنشطة عسكرية والتحريض ضد الاحتلال الصهيوني ونقل أسلحة إلى القطاع" وقبل انقضاء فترة سجنه قامت السلطات العسكرية الإسرائيلية بإبعاد الشهيد المعلم من السجن مباشرة إلى خارج فلسطين بتاريخ 1 أغسطس (آب) 1988 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية. تنقل بعدها الشهيد المعلم فتحي الشقاقي بين العواصم العربية والإسلامية لمواصلة جهاده ضد الاحتلال الصهيوني إلى أن اغتالته أجهزة الموساد الصهيوني في مالطا يوم الخميس26/10/1995 وهو في طريق عودته من ليبيا إلى دمشق بعد جهود قام بها لدى العقيد القذافي بخصوص الأوضاع المأساوية للشعب الفلسطيني على الحدود المصرية.
ويعد الشهيد المعلم الدكتور فتحي الشقاقي أحد أبرز رموز التيار المستنير داخل الحركة الإسلامية لما يتمتع به من ثقافة موسوعية، واستيعاب عقلاني لمشكلات الحركات الإسلامية وقضاياها في العالم العربي والإسلامي. كما يعتبر الشهيد المعلم مجدد الحركة الإسلامية الفلسطينية وباعثها في اتجاه الاهتمام بالعمل الوطني الفلسطيني، وإعادة تواصلها مع القضية الفلسطينية عبر الجهاد المسلح، فدخلت بذلك طرفاً رئيسياً ضمن قوى الإجماع الوطني الفلسطيني بعد طول غياب.
الشقاقي.. أمّة في رجل
أراد الشقاقي بتأسيسه لحركه الجهاد الإسلامي أن يكون حلقة من حلقات الكفاح الوطني المسلح لعبد القادر الجزائري، والأفغاني، وعمر المختار، وعزّ الدِّين القسَّام الذي عشقه الشقاقي حتى اتخذ من اسم 'عز الدين الفارس' اسمًا حركيًّا له حتى يكون كالقسَّام في المنهج وكالفارس للوطن، درس الشقاقي ورفاقه التاريخ جيِّدًا، وأدركوا أن الحركات الإسلامية ستسير في طريق مسدود إذا استمرت في الاهتمام ببناء التنظيم على حساب الفكرة والموقف (بمعنى أن المحافظة على التنظيم لديهم أهم من اتخاذ الموقف الصحيح)؛ ولذلك انعزلت تلك الحركات -في رأيهم- عن الجماهير ورغباتها، فقرَّر الشقاقي أن تكون حركته خميرة للنهضة وقاطرة لتغيير الأمة بمشاركة الجماهير، كذلك أدرك الشقاقي ورفاقه الأهمية الخاصة لقضية فلسطين باعتبار أنها البوابة الرئيسة للهيمنة الغربية على العالم العربي.
يقول الدكتور 'رمضان عبد الله' رفيق درب الشقاقي: 'كانت غرفة فتحي الشقاقي، طالب الطب في جامعة الزقازيق، قبلة للحواريين، وورشة تعيد صياغة كل شيء من حولنا، وتعيد تكوين العالم في عقولنا ووجداننا'.
مالطا.. مسرح الاغتيال
وصل الشقاقي إلى ليبيا حاملاً جواز سفر ليبيا باسم 'إبراهيم الشاويش'؛ لمناقشة أوضاع اللاجئين الفلسطينيين على الحدود الليبية المصرية مع الرئيس القذافي، ومن ليبيا رحل على متن سفينة إلى مالطا باعتبارها محطة اضطرارية للسفر إلى دمشق (نظرًا للحصار الجوي المفروض على ليبيا)، وفي مدينة 'سليما' بمالطا وفي يوم الخميس 26-10-1995م اغتيل الشقاقي وهو عائد إلى فندقه بعد أن أطلق عليه أحد عناصر الموساد طلقتين في رأسه من جهة اليمين؛ لتخترقا الجانب الأيسر منه، بل وتابع القاتل إطلاق ثلاث رصاصات أخرى في مؤخرة رأسه ليخرَّ 'أبو إبراهيم' ساجدًا شهيدًا مضرجًا بدمائه.
فرَّ القاتل على دراجة نارية كانت تنتظره مع عنصر آخر للموساد، ثم تركا الدراجة بعد 10 دقائق قرب مرفأ للقوارب، حيث كان في انتظارهما قارب مُعدّ للهروب.
رحل الشقاقي إلى رفيقه الأعلى، وهو في الثالثة والأربعين من عمره مخلفًا وراءه ثمرة زواج دام خمسة عشر عامًا، وهم ثلاثة أطفال وزوجته السيدة 'فتحية الشقاقي' وجنينها.
رفضت السلطات المالطية السماح بنقل جثة الشهيد، بل ورفضت العواصم العربية استقباله أيضًا، وبعد اتصالات مضنية وصلت جثة الشقاقي إلى ليبيا 'طرابلس'؛ لتعبر الحدود العربية؛ لتستقر في 'دمشق' بعد أن وافقت الحكومات العربية بعد اتصالات صعبة على أن تمر جثة الشهيد بأراضيها ليتم دفنها هناك.
الجثة في الأرض.. والروح في السماء
في فجر 31-10-1995 استقبل السوريون مع حشد كبير من الشعب الفلسطيني والحركات الإسلامية بكل فصائلها واتجاهاتها في كل الوطن العربي جثة الشهيد التي وصلت أخيرًا على متن طائرة انطلقت من مطار 'جربا' في تونس، على أن يتم التشييع في اليوم التالي 1-11-1995، وبالفعل تم دفن الجثة في مقبرة الشهداء في مخيم اليرموك بعد أن تحول التشييع من مسيرة جنائزية إلى عرس يحمل طابع الاحتفال بجريمة الاغتيال، حيث استقبله أكثر من ثلاثة ملايين مشيع في وسط الهتافات التي تتوعد بالانتقام والزغاريد التي تبارك الاستشهاد، توعدت حركة الجهاد الإسلامي بالانتقام للأب الروحي 'فتحي الشقاقي'، فنفَّذت عمليتين استشهاديتين قام بهما تلاميذ الشقاقي لا تقل خسائر إحداها عن 150 يهوديًّا ما بين قتيل ومصاب.
في نفس الوقت أعلن 'إسحاق رابين' سعادته باغتيال الشقاقي بقوله: 'إن القتلة قد نقصوا واحدا'، ولم تمهله عدالة السماء ليفرح كثيرًا، فبعد عشرة أيام تقريبًا من اغتيال الشقاقي أُطلقت النار على رابين بيد يهودي من بني جلدته هو 'إيجال عمير'، وكأن الأرض لم تطق فراق الشقاقي عنها بالرغم من ضمها له، فانتقمت له السماء بمقتل قاتله.