من غير الواضح إذا ما كانت الجهود المصرية المبذولة ستنجح في دفع رئيس السلطة محمود عباس إلى التراجع عن تصعيد الإجراءات العقابية ضد قطاع غزة ووقف التمويل بالكامل، فما زالت المباحثات والزيارات المصرية جارية، والتي ستتوج بزيارة رئيس المخابرات المصرية عباس كامل لغزة ورام الله في محاولة لتقريب وجهات النظر والخروج من المأزق الحالي.
ولا تخفي مصر قلقها الواضح من الإجراءات التي ينوي أبو مازن اتخاذها، فقد تسربت مكالمة جرت بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وعباس طلب الأول خلالها عدم اتخاذ أي إجراءات جديدة ضد غزة وأن أي عقوبات جديدة لن تسمح بها مصر.
وقال موقع "ريشت كان" العبري إن وفد المخابرات المصرية الذي التقى قيادة حماس في غزة، الاثنين الماضي، وعد بممارسة ضغوط على أبو مازن وإجباره على عدم فرض عقوبات جديدة على القطاع وعدم حل المجلس التشريعي الفلسطيني.
وما زال أبو مازن يتمسك بشروطه لتطبيق المصالحة والتي تتمحور حول التمكين الكامل للحكومة وبمعنى ادق الاستسلام والخضوع الكامل من حماس وباقي الفصائل في غزة للسلطة الفلسطينية عبر تسليم سلاح المقاومة للأجهزة الأمنية في رام الله التي تقيم شراكة أمنية مع الاحتلال وهو ما ترفضه الفصائل جميعها.
وأمام تعنت السلطة اتجاه ملف المصالحة ورفضها أي تهدئة في غزة لم يعد أبو مازن يملك أيا من أوراق القوة سوى ورقة العقوبات التي يستغل فيها الأزمة المالية والإنسانية في القطاع للضغط على حركة حماس لتسليم سلاح المقاومة.
وكان عباس، كلّف في وقت سابق حكومة رام الله إعداد "تصور كامل حول وقف تمويل غزة، بما في ذلك رواتب الموظفين ووزارتي الصحة والتعليم ورواتب الشؤون الاجتماعية".
في المقابل هناك تخوفات جدية لدى بعض أقطاب رام الله بان فرض المزيد من العقوبات سيترك القطاع أمام حالة إنسانية خطيرة مما قد يدفع المجتمع الدولي لتنفيذ تهديداته بتجاوز دور السلطة في القطاع عبر تحويل الأموال مباشرة لغزة.
وقد تحدث الاعلام العبري صراحة بهذا الشأن حيث زعمت قناة كان العبرية، الإثنين، أن المجلس الوزاري الأمني- السياسي المصغر قرر الموافقة على خطة تهدف إلى خفض المواجهات على الحدود مع غزة.
وقالت القناة إن من أبرز بنود هذه الخطة الموافقة على تمويل قطري لرواتب موظفي حركة حماس في قطاع غزة، بالإضافة إلى ضخ الوقود لمحطة الكهرباء.
وأضافت القناة أنه سيتم خصم الإيرادات الضريبية الخاصة بقطاع غزة التي تذهب لأبو مازن، وهذا سيكون انجازا سياسيا لحركة حماس يتجاوز السلطة الفلسطينية على حد قولها.
وفي حال ثبتت صحة هذه الخطة والتي تعتبر قديمة جديدة وهي أحد أركان خطة مبعوث السلام نيكولاي ميلادينوف للعمل في غزة، فان السلطة قد تجد نفسها امام مأزق كبير كونها تضغط بقوة لاستعادة غزة في الوقت الذي قد يؤدي الضغط المفرط إلى أن تفقدها بالكامل وبالتالي ينتهي أي دور سياسي لها في القضية خاصة ان دورها في الضفة بات أمنيا بحت وفقد الملف السياسي زخمه ووجوده امام إجراءات (إسرائيل) التي تمهد لضم الضفة.
في المقابل هناك تسريبات تشير إلى ان السلطة ستعمل على إعادة هيكلة عقوباتها على غزة وهي التي تحدث عنها رئيس تحرير صحيفة الاقتصادية محمد ابو جياب، حيث أكد أن هناك نوايا وقرارات اصبحت جاهزة لدى السلطة الفلسطينية في رام الله تعيد هيكلة العقوبات التي تمارسها ضد سكان قطاع غزة، بما يحفظ الصمت ان لم يكن القبول الدولي لما يجري من عقوبات وترتكز هذه الخطة وفقا للتالي:
اولا: الابقاء على ما اعلنته السلطة من مبلغ مالي مصروف بشكل شهري على القطاع والذي قدرته حكومة التوافق بمبلغ 96 مليون دولار شهريا.
ثانيا: رفع مستوى الانفاق على فاتورة الرواتب بما يحقق رفع نسبة الصرف المخصصة للموظفين شهريا؛ بما لا يرفع من سقف المبلغ المالي الشهري المعلن عنه من قبل السلطة وهذه الخطوة يراد منها تحقيق التالي:
1- استعادة الولاء والتبعية للقواعد الشعبية لحركة فتح المتمثلة بـ"موظفي السلطة" وتصليب البيت الفتحاوي بين الضفة وغزة منعا لانزلاق فتح غزة نحو الانضمام لاي خطوات دولية عربية تتخطى السلطة في رام الله داخل غزة.
1- اكتساب غطاء اعلامي وجماهيري فيما يمكن ان نعرفه بحرف البوصلة وعدم التركيز على الخطوات والعقوبات التدميرية التي ستقدم عليها السلطة في اطار المخطط.
ثالثا: خفض او وقف التمويل في ملفات الخدمات العامة والحكم المحلي والمياه والكهرباء؛ بما يحقق زيادة الضغط المالي والاداري على حكومة حماس بغزة ويخلق الكثير من الازمات ويعقد ما هو موجود.
رابعا: التضييق على النظام المصرفي بما يضمن التحكم في كل شاردة وواردة على المستوى المالي في غزة، ومن ضمنها اغلاق حسابات وشركات ومصادرة اموال وكلها ستأخذ غطاء دوليا تحت بند مكافحة تمويل الإرهاب.
وسواء فرضت السلطة عقوبات ام لا فإنها تفقد غزة وهي ورقة القوة الوحيدة المتبقية في القضية الفلسطينية ما يمهد لفقدان دورها السياسي.