قائد الطوفان قائد الطوفان

مكتوب: عباس.. مسلسل انقلاب على معارضيه منذ عرفات حتى المركزي

صورة
صورة

غزة- الرسالة

لا تنتهي محاولات رئيس السلطة محمود عباس المستميتة لضمان هيمنته على القرار الفلسطيني، ولتحقيق ذلك انتهج سياسة الإقصاء والتفرد منذ دخوله الحياة السياسية.

فبينما حرص الرئيس الراحل أبو عمار على احتواء خصومه ولعب دور الأب اتجاه مختلف مكونات الشعب الفلسطيني، استخدم أبو مازن سياسة العناد والأمر الواقع في التعامل مع كل مخالفيه وحتى بعض المقربين منه حتى وصف بأنه "يفجر بالخصومة".

وقد يرجع السبب في ذلك إلى أن أبو عمار كان يعتمد في تعزيز شعبيته على إرثه النضالي وصورته بالبزة العسكرية، إلا أن أبو مازن يفتقر لذلك التاريخ ويعتمد في بقائه على الإجماع الإقليمي والدولي لذا يحاول دائما أن يختزل القضية الفلسطينية في شخصه والتحذير الدائم من البديل.

وتعود بدايات الحكاية إلى ما قبل توليه رئاسة السلطة حيث لم يكف عن استخدام الممحاة في وجه منافسيه وخصومه على صعيد حركة فتح، ذلك وفق مسؤولين في الحركة.

 حاول عباس قيادة مشروع السلام داخل ما يعرف بمنظمة التحرير الفلسطينية، برفقة احمد قريع، وحسن عصفور، اللذين كلفهما الراحل عرفات بمهمة اجراء مباحثات سرية مع (إسرائيل) إلى أن وصل الأمر لتوقيع اتفاق اوسلو 1993.

ويقول مراقبون إن الرجل صاحب الشعر الأبيض، لم يكن يقبل شريكا له في المنصب ولجأ الى استخدام سياسة الاقصاء تجاه منافسيه من خلال التقرب من الرئيس عرفات.

عباس الذي سجل تاريخه العديد من المواجهات مع معارضيه انتهت جميعها بإصراره على إخراجهم من دوائر صنع القرار الفلسطيني، مع أول فرصة تتاح له.

وفي العام 2003 قادت الصراعات حول الصلاحيات والنفوذ أبو مازن لتقديم استقالته، الأمر الذي دعا الولايات المتحدة وبريطانيا لتوجيه اللائمة إلى عرفات.

المؤشرات في ذلك الوقت برهنت على أن عباس بدأ يتحرك للاطاحة بالرئيس عرفات، للتفرد بالقرار تلبية لمصالح أمريكية (إسرائيلية) في المنطقة، فتزعم لوبي ضم كلا من (محمد دحلان، وسلام فياض).

ولأن السياسة تحكمها المصالح، اشترك (ثلاثي أضواء المسرح) في عملية الاطاحة بعرفات بمساعدة (إسرائيل)، من خلال عزله ومحاصرته في مقر المقاطعة برام الله، إلى أن استشهد في الرابع عشر من نوفمبر 2004.

واستمرت حلقات الإقصاء في حياة عباس بعد وفاة أبو عمار حيث بدأ بإرثه من خلال التخلي عن كل رجالاته المقربين ففي العام 2005 أزاح عددا كبيرا من مكتب الرئاسة، واستبدلهم بآخرين.

 كما اتخذ جملة قرارات إزاحة مرة أخرى بعد انقضاء المؤتمر السادس لحركة فتح في اب (أغسطس) 2009، حين أخرج من المؤتمر العديد من خصومه والذي كان يطلق عليهم (الحرس القديم) من خلال العمل مع طاقم خاص على إسقاطهم في تلك الانتخابات التي عقدتها حركة فتح بعد 20 عاما، وتلا ذلك وقتها بقرارات أخرى أحال فيها للتقاعد عددا من موظفي مكتب الرئاسة والمستشارين بحجة أنهم لم يتمكنوا من الفوز بالانتخابات.

ورغم حرص عباس منذ لحظة تعيينه على توطيد علاقاته بشكل أكبر مع الحلفاء (دحلان، وفياض)، لإدراكه حقيقة أن "دحلان" كان يملك "صندوق الرصاص"، فيما كان "فياض" يملك "صندوق المال"، إلا أنه عاد لينقلب على الرجلين ويرفع بورصة خصومه من جديد وقرر إقالتهم والصراع مع كل مؤيديه.

ووصل الصراع للحد الذي دفع دحلان للقول إن عباس متورط في نهب وتدمير السلطة والمنظمة وفتح لصالح (إسرائيل)، مطالبا بتهكم بلجنة لتفحص كفاءة أبو مازن العقلية والنفسية.

وعلى ذات الطريق لم ينجح ياسر عبدربه والذي كان يشغل منصب أمين سر اللجنة التنفيذية الاحتفاظ بعلاقته الوطيدة مع رئيس السلطة رغم أنه استطاع التأقلم مع العديد من القيادات بل طالته سياسة رئيس السلطة الذي كان حريصا على إبقاء قراراته في دائرة ضيقة لا تتعدى صائب عريقات وماجد فرج.

خلافات عباس مع رجالاته لم تقف عند هذا الحد، وكانت قد وصلت حدتها مع رئيس الوزراء السابق في حكومة رام الله سلام فياض عام 2012، عندما استقال بعد اختلافه مع أبو مازن على قبول أو رفض استقالة وزير المالية في حينه نبيل قسيس، فيما كان فياض يمسك بقوة بتلك الحقيبة لسنوات.

وفي أغسطس الماضي شن عباس حملة إقالات مفاجئة بحق قيادات فتحاوية ووطنية من الصف الأول، حيث استمرت الحملة بإقالة تيسير خالد رئيس دائرة شؤون المغتربين، وعيسى قراقع رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، وإحالة رئيس مؤسسة أسر الشهداء والجرحى محمد النحال "أبو جودة" للتقاعد، وكذلك الإقالة المفاجئة لناصر القدوة من موقعه رئيسا لمؤسسة ياسر عرفات، وسحب ملف الإعلام والثقافة والتعبئة الفكرية منه.

إقالة قراقع من منصبه، جاءت بعد أيام من تصريحات انتقد فيها وقف رواتب أسرى قطاع غزة، ووصفه للعقوبات على قطاع غزة بالمجحفة، فيما تمت إحالة النحال للتقاعد عقب نشوب خلافات بينه وبين مستشار الرئيس للشؤون الدينية محمود الهباش، وذلك عقب رفض الأول إضافة أكثر من 150 اسما للحج على بند مكرمة الشهداء وهم ليسوا بعوائل شهداء، واستبدالهم بعوائل شهداء من غزة.

ويتمثل الإقصاء الأكبر في تاريخ عباس محاولاته إقصاء حركة حماس بعد فشله في احتوائها عقب فوزها في الانتخابات عام 2006م، ولتحقيق ذلك لجأ عباس لإقصاء جزء كامل من الوطن والمتمثل في قطاع غزة، وحارب سكانها من خلال الرواتب والكهرباء وشارك في حصارها.

ذات السياسة اتبعها مع فصائل منظمة التحرير والتي لم يعد لها أي دور في صنع القرار السياسي وبات وجودها أشبه بالديكور داخل المنظمة، وهو ما دعا عددا منها لرفض حضور جلسة المركزي اليوم في ظل تعيين عدد من الأعضاء دون توافق أو إجماع.

وتقاطع العديد من كبرى الفصائل الفلسطينية جلسة المركزي الانفصالي، ومنها: حماس، والجهاد الإسلامي، والجبهتان الشعبية والديمقراطية، والمبادرة الوطنية.

واعلنت الفصائل الفلسطينية الرئيسية رفضها إصرار حركة فتح على التفرد بعقد المجلس المركزي، بدون توافق وطني وفصائلي، معتبرة هذه الخطوة بمنزلة "كارثة" وترسيخ لسياسة الهيمنة والتفرد التي تنتهجها الحركة إزاء توغلها في السيطرة على المؤسسات والمرجعيات الوطنية الكبرى.

البث المباشر