من يطيل التأمل، يجدد أننا مع مرور الوقت نحاصر أكثر بأسئلة لا إجابات لها، أو بالأحرى يوجد إجابات لكن هناك من يحاصرها، يأسرها خلف متاريس من الغموض.
لن يكون سؤال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان آخر هذه الأسئلة: أين جثة خاشقجي؟
يردد الفلسطينيون منذ 14 عاماً سؤال قصيراً من ثلاث كلمات: من قتل عرفات؟
يردد الأمريكيون أيضا منذ 55 عاماً نفس السؤال: من قتل جون كيندي؟
بنك أسئلة راكمت رصيده السنين والأحداث لدى المواطن العربي المطحون، مقابل إفلاس مختلق في الإجابات، لا تخجل الجهات السيادية من إشهاره، مع أنه يكون مرآة فشلها. ولا غرابة في أن تكون الشعوب العربية هي من تملك الرصيد الأكبر في هذا البنك، واحتياطي قياسي في خاطرها.
يمارس المواطن العربي حقه الفطري في السؤال، تحت قاعدة أن الأصل في الإنسان أن يسأل. كان ذلك قبل بناء معتقلات الرأي، وإطلاق سياط السلطان على ظهور من يحاولون الفهم!
آخر الضحايا مثلاً، كان الباحث الاقتصادي المصري عبد الخالق فاروق، الذي اعتقل لأنه سأل: "هل مصر بلد فقير؟". كان السؤال عنوان كتاب أصدره فاروق رداً على تصريح للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قال فيه إن "مصر بلد فقير جداً".
كان بإمكان فاروق أن يبقى جاهلاً كي يبقى حراً!
ما أحقرها من معادلة.
كانت الروائية التركية "إيلاف شافاق" مدركة تماماً لهذا المعنى حين قالت بخليط من الأمل واليأس: "يا الله، إما أن تمنحني نعمة الجهل، أو أن تمنحني القوة لأتحمل المعرفة".
لكن من حظ هذه الحسناء وحظّنا أنها ليست عربية، وإلا لفشلنا في قواعد العشق الأربعون، أو على فرض العكس من ذلك.
إن بقاء الأسئلة مطروحة إلى اللاإجابة يقدّم خدمة جليلة لمن يمدّهم جهلنا بأسباب البقاء.
ومع كامل الأسف، ذهبنا لنختبئ خلف الآية القرآنية "لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تسؤكم"، وبتنا نرى فيها قارب النجاة، بدل أن نملك شجاعة أو فضيلة البحث عن الحقيقة التي تنفع الناس.
إن بقائنا يرتبط بعدم السماح بتوالد الأسئلة، لأن عدم إغلاقها بمحاولة الوصول إلى الإجابات يعني أن كلاً منّا قد يكون السؤال التالي.
لذلك، أعتذر عن السؤال أعلاه