ألا تشكل جهود مكافحة الفساد ذاتها الوهم الأكبر الذي أضفاه دور رئيس هيئة مكافحة الفساد على نفسه منذ توليه رئاسة الهيئة؟ عبر ممارساته وعدم استقلاليته وتفرغه لمنصب رئيس هيئة رقابية تعنى بمكافحة الفساد!
استوقفني خبر مفاده "احتفال شركة تمكين الفلسطينية للتأمين يوم الاثنين 30 أكتوبر بافتتاح فرعها في مدينة بيت لحم، تحت رعاية وحضور محافظ بيت لحم كامل حميد، وبمشاركة من رئيس مجلس إدارة تمكين الدكتور ماجد الحلو ونائب رئيس مجلس إدارتها الدكتور رفيق النتشة، وكلاهما ممثلين عن مجلس إدارة مؤسسة إدارة وتنمية أموال اليتامى والتي هي أيضا مؤسسة عامة.
الأهم في هذه الخبر هو أن السيد رفيق النتشة وهو رئيس هيئة مكافحة الفساد هو نائب رئيس مجلس ادارة شركة تمكين حسب الموقع الإلكتروني للشركة، وهنا قد يتراود لأذهان البعض انه لا مانع من ذلك خاصة وأن القانون الأساسي لا يقيد تقلد رئيس هئية مكافحة الفساد لأكثر من منصب، في حين أنه يستوجب أن يتفرغ كونه يتقلد رئاسة أكبر الهيئات الرقابية التي يجب أن يتفرغ رئيسها لجهود مكافحة الفساد على شاكلة تفرع رئيس ديوان الرقابة المالية والإدارية للدور المنوط به.
وفي قراءة عاجلة لحالة تمكين وجدت أولا/ أن هذه الشركة هي شركة مساهمة عامة محدودة أنشأت للعمل في مجال التأمينات وجزء من أعضاء مجلس إدارتها مؤسسات عامة، كهيئة التقاعد الفلسطينية ممثلة بالسيد ضرار طوقان، ومؤسسة إدارة وتنمية أموال اليتامى ممثلة بالسيد رفيق النتشة بصفته نائب لرئيس مجلس ادارتها، والدكتور ماجد الحلو بصفته رئيس مجلس ادارتها، والبقعة التي ظهرت على السطح هنا أيضاً وتستدعي تدقيق النظر، أن نجل الدكتور رفيق النتشة "خالد" عضو مؤسس في الشركة أيضاً.
وذلك ما يشير إلى أن الدولة مشاركة في هذه الشركة حسب ما هو موضح في عقد التأسيس والنظام الداخلي للشركة، فكيف ستضمن الدولة هنا منع تضارب المصالح لدى من يتقلد إدارة هيئة تعنى بتعميم وتحقيق المصلحة العامة وفي الوقت ذاته يتقلد ويساهم في شركة مساهمة محدودة؟!
وثانيا / مؤسسة إدارة وتنمية أموال الأيتام، هي مؤسسة عامة غير وزارية انشئت بموجب القانون رقم (14) لسنة (2005) والقرار رقم 88 لسنة 2009 مستثنية منه مجلس القضاء الشرعي بعضو واحد فقط وذلك بعد أن كانت إدارته كاملة له على خلفية شبهات للفساد (حسب ما هو وارد في موقع المؤسسة) وأصبح السيد رفيق النتشة رئيس مجلس إدارتها أيضاً في ظل توليه رئاسة هية مكافحة الفساد.
وبمراجعة سريعة لبعض نصوص قانون مكافحة الفساد وتحديداً المادة رقم(2) يخضع لهذا القانون: بموجب فقرة(5) رؤساء هيئات وأجهزة السلطة، وبموجب فقرة (8) رؤساء وأعضاء مجالس إدارة الشركات المساهمة العامة والعاملون فيها التي تكون السلطة الوطنية أو أي من مؤسساتها مساهما فيها، وبموجب فقرة (11) رؤساء وأعضاء مجالس إدارة الهيئات والمؤسسات العامة والجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية التي تتمتع بالشخصية الاعتبارية المستقلة وبالاستقلال المالي والإداري .
ومن جانب آخر المادة رقم(9) خاصة بصلاحيات هيئة مكافحة الفساد في ملاحقة قضايا الفساد والفاسدين
وعليه فإن هذه المؤسسات والتي يشارك في مجالس إدارتها السيد رفيق النتشة تخضع لرقابة هيئة مكافحة الفساد والتي يترأسها ذاته، مما يشكل تعارضاً واضحاً للمصالح وهنا المقصود هو المصلحة العامة والذي يمكن تعريفه بأنه (بالوضع أوالموقف الذي تتأثر فيه موضوعية واستقلالية قرار موظف في الوظيفة العامة بمصلحة شخصية مادية أو معنوية تهمه شخصياً أو أحد أقاربه أو أصدقاءه المقربين أو عندما يتأثر أداؤه للوظيفة العامة باعتبارات شخصية مباشرة أو غير مباشرة أو بمعرفته بالمعلومات التي تتعلق بالقرار)
كما ويخالف القواعد الأساسية لعمليات الرقابة والمحاسبة الفاعلة وبالتالي كان الأولى عليه أن لا يقبل بتلقده لهذه المناصب منعاً لتضارب المصالح والذي يشكل أحد أشكال الفساد أو قد يتيح مجالاً لممارسات الفساد أو التغطية عليها.
وهذا الأمر لم يأتي تشكيكاً في نزاهة الرجل أو في تاريخه النضالي الطويل حتى لا يؤخذ الموضوع على محمل شخصي ولكن درء المفاسد أولى من جلب المنافع.
فنحن كنا من أوائل الداعمين لوجود الهيئة وقانون مكافحة الفساد رغم تحفظاتنا الكثيرة على هذا القانون وموقفنا من تمديد تولي رئاسة الهيئة في مخالفة واضحة لنص القانون فالشرفاء في هذا الوطن كثر رغم عدد الفاسدين.