في عصر العولمة تكتسي ثنائية اللغة وتعدد اللغات التي يتقنها الفرد أهمية فائقة، سواء بالنسبة إلى طالبي العلم أو لطالبي الشغل على حد السواء، وتعددت النظريات والدراسات التي تحدد السن المثالية لتعلم لغة جديدة، فهل يمكن تحديد سن مثالية لتعلم قواعد اللغة؟ وهل توجد عوامل أخرى تؤثر في القدرة على إتقان أبجديات لغة ثانية؟
يشير تقرير في صحيفة "الكونفدنسيال" الإسبانية إلى اعتقاد شائع مفاده أن الأطفال قادرون على تعلم لغة جديدة أكثر من البالغين، لكن أثبتت العديد من الدراسات الحديثة أن هذا الاعتقاد لا يمت إلى الواقع بصلة.
وعرضت الصحيفة نتائج جملة من الأبحاث والتحاليل التي حسمت في هذا الأمر وحددت المصاعب التي تحول دون تعلم لغة ثانية والإلمام بقواعدها.
ونقلت الصحيفة عن المدون والفيلسوف خوسيه أنطونيو مارينا أن "اللغة أساسية في التعليم، كما تحدد قدراتنا اللغوية درجة ذكائنا".
وأضاف "نحن نفكر بالكلمات، وننظم حركاتنا عبرها، كما تساعدنا اللغة على التواصل، مما يجعلها أساسية في حياتنا اليومية، فضلا عن ذلك تساعدنا اللغة على التواصل مع ذواتنا".
وفي وقتنا الراهن أصبح إتقان لغة ثانية أمرا ضروريا في كل مهنة باستثناء بعض الوظائف.
ووفقا للخبير مارينا، لا يعد التحدث والكتابة بلغة ثانية أمرا كافيا، إذ إنه من الضروري الوصول إلى مرحلة التفكير بهذه اللغة كي يصبح المتعلم ملما بالكامل بها.
وبشكل عام، يعي متحدثو لغات عديدة هذه الحقيقة، كما أنهم على وعي بأن تعلم لغة جديدة دون ممارستها ورسم أفكارهم عبرها أمر لا يساعد على الإلمام بالكامل باللغة وأساسياتها.
وبينت الصحيفة أن العامل الذي يجعل الأطفال يتعلمون لغة جديدة بسهولة لأنها عنصر أساسي من أجل اندماجهم في المجتمع الذي يعيشون فيه، وليس لأنهم يمتلكون قدرات على تعلم لغات جديدة أكثر من غيرهم، كما أنهم لا يملكون مستوى إدراكيا أعلى من البالغين يخول لهم تعلم لغة جديدة بسهولة.
وفي هذا الصدد، يعد مثال عائلة غادرت للعيش خارج حدود وطنها نموذجا مثاليا على حاجة الأطفال لتعلم لغة جديدة من أجل الاندماج في المجتمع الجديد.
وتعليقا على ذلك، أوردت الخبيرة سوفي أرداش -التي أشرفت على دراسة بشأن السن المثالية لتعلم لغة- أنه "في هذه الحالة عادة ما يتعلم الأطفال اللغة أسرع من آبائهم، لكن يتمثل السبب الذي يفسر ذلك في استماع الأطفال لهذه اللغة الثانية بشكل دائم في المدرسة، في حين يعمل آباؤهم في بيئة معزولة".
وفسرت الخبيرة أن "الحاجة الاجتماعية" هي الحافز الأول لحث الفرد على تعلم اللغة، وبالإضافة إلى ذلك "يعد الشعور بهذه الحاجة الاجتماعية أقوى لدى الأطفال، حيث يساعدهم تعلم اللغة على الاندماج في المجتمع، وتحديدا تكوين صداقات وقبول المجموعة لهم للاندماج فيها".
من جانب آخر، أوضحت أستاذة علم النفس بجامعة نيويورك دانييلا ترينكك أن "الرغبة في تعلم لغة ثانية وإنشاء روابط عاطفية عامل حاسم لإتقان قواعد هذه اللغة والتمكن منها بالكامل".
وأوردت الصحيفة أن الأبوين والمحيط الذي يترعرع فيه الفرد يؤثرون على القدرات اللغوية ويحددون اللغة التي سيتبناها كل منا.
وفي هذا الصدد، أكدت الخبيرة سوفي أرداش أنه "يمكن للرضع الاستماع إلى جميع الحروف والأصوات التي تكون جميع لغات العالم، وبعد السنة الأولى من ولادته يبدأ الرضيع بالتخصص وتبني الصوت والحروف التي يستمع إليها بشكل متكرر أكثر من غيره، وتبعا ذلك يتبنى الرضع اللغة التي يتحدثها والداه".
وأشارت الصحيفة إلى أن دراسة أشرف عليها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (الولايات المتحدة) وشملت 670 ألف شخص أكدت أن "السن المثالية لتعلم قواعد اللغة الإنجليزية هي العشر سنوات".
وكشف البحث أيضا أنه يمكننا مواصلة تحسين اللغات بمرور الوقت، بما في ذلك لغتنا الأم، وعلى سبيل المثال يمكننا إتقان والتمكن من قواعد لغتنا الأم بالكامل عند بلوغ سن الثلاثين.
وبينت صحيفة الكونفدنسيال أن إتقان أكثر من لغة يساعد على التواصل مع أكبر عدد ممكن من الأشخاص، وفي جميع الأحوال يحتاج إتقان لغة بالكامل إلى مواصلة التعلم وتكريس مدة من الوقت تستمر لسنوات من أجل تحقيق هذا الهدف، وفي الوقت نفسه يلعب الدافع النفسي والاجتماعي دورا مهما في ذلك.
المصدر: الصحافة الإسبانية