مقال: وها قد آتت أكُلها بإذن ربها .. مسيرة العودة

الكاتبة: سميرة نصار
الكاتبة: سميرة نصار

بقلم: سميرة نصار

أفلت نجومهم نجمة بعد أخرى ،ولم يبزغ القمر وطال الليل فلم تقصد الشمس مشرقهم منذ زمن ، وخفُت ضوء مصباح البيت  فقد شَح زيته،  وقُصُر فتيله واشتد برد ليلهم وطال وبالت رُقع الثوب.  حيث سلمهم الماضي لحاضر أساء تقديرهم ومنع أحلامهم.. فكان لابد من النفاذ ومصارعة الظلم والظلام بعد أن خَفٌتت كل الأنوار من حولهم فلم يبقى سوى نور الحياة الذي بداخلهم ، ويقينهم  بأن الحياة  لهم ،لا محاصريهم وأعدائهم .

 وجاء الثلاثون من اذار مارس لذات العام الذي نحيا فيه ألفين وثمانية عشر كانوا على موعد مع بكورتها والتي سبقها شهور في الإعداد وحشد همم الشعب  بكل أطيافه ، واجتمع الكل الغزي سوى المثبطين وأصحاب الأجندات الذين يحصدون مطامعهم من حصار شعبهم وعوزه وفقره ، ورابط  الغزي على حدود بلاده الشرقية الملامسة لوطنه المحتل متزندا ب  "إما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا".

 و استشعر الكل بجمال تلك الحدود التي كان الخوف يمنع الكثيرون من الاقتراب منها  ،فمُحق الخوف وولى، وأصبحت  تلك المنطقة هي مِلك لحجر ومقلاع وبالون ذاك الشاب الثائر  وما عادت تلك المنطقة العازلة التي فرضتها علينا اتفاقية أوسلو الميتة ،وقد تجلت هيبتها وجلالها وجمالها  في النفوس فأخذت تجر الثائرين الى الوطن المغتصب ، وزادت شعلة الثورة والتي كان وقودها  شباب عزل سوى من حجر وكوشوك ، ونسوة يرون مستقبل أبناءهن يذوب كالملح  في زبد البحر ، ولكن هذا الزحف الهادر أزعج العدو الصهيوني المتربص بالحدود ، والمتأجج  بسلاحه النوعي  فبدأت التهديدات والقنص والوعد  وارتقى الشهداء  وفاضت أرواحهم الي الله تشكو مرارة العيش وخذلان القريب والبعيد ، وبُترت أقدام شباب مازالوا يبحثون عن تلك الأحلام التي سُرقت منهم. 

وذبُلت قلوب زوجات بفقد الحبيب والونيس ،ونحتت الدموع معالم الزمن الظالم على وجه أمهات وهن يُدثِرن أبناءهن بالتراب، زاد الوجع وزاد ضجيج المدينة الفاضلة.

أصبح يوم الجمعة عنوان للفقد والآلام ولكنها لعبة العض على الأصابع ونفوس الثائرين لا تقبل الخسران؛  فلسان حالهم ربنا افرغ علينا صبرا وصمودا وثبت أقدامنا لنُكمل مشاق الطريق ، فبدأت الوساطات تحمل حقائب عروضها لتفاوض قيادات هيئة المسيرة و قد فافت ابتزازاتها الوصف والشرح ولكن الفريق المفاوض كان مستندا عل حقه القوي المتين ما غابت عنه صور اثني عشر سنة يابسة جافة وأنات ومرارات  وذاك الأحمر القاني الذي سال من مُحيا  أرواح غالية غابت  عن محبيها.

تعددت جولات الوسطاء حاولت ابتزاز النفوس المعوزة والمحتاجة ، ولكنها لم تعلم أن النواقص الحياتية عند الثائرين  رافقتها عنادة الغزي القوي الذي لم يكتب التاريخ أنه يوما مات دون كرامته وعزته،و ذاك الذي استقبل قبلة الموت مرات ومرات  ولا أن يرفع الراية البيضاء .

وبدأت الأيام تطل علينا ببوادر الخير لأهل غزة عنوان الإقدام و الثبات واليقين ، اليقين بمنهجهم وبحقهم ومسارهم وبقيادتهم ،وأوشك الغرس الذي سُقي بدماء أبناءكم أن يُزهر فرجا وأوله تحسين خط الكهرباء تلك المشكلة التي راح ضحيتها أرواح وأوقات وأرزاق، أثرت على مفاصل الحياة ،وزادت تكاليف العيش  التي فاقت قدرة الأسرة الغزية وهناك من علت فاتورتها فقدمت  بعضا من أرواح  أفرادها ،حيث اشتعلت أجسادها لتزيل ظُلمةً حاولت الشموع أن تبيدها، ناهيك عن الطلاب الذين ساق لهم الزمن تحديات جدول الكهرباء فوق تحديات  جداول دراستهم .

اليوم فرجٌ وغدا فرحٌ بإذن الله ، وستعود الحقوق لأهلها ،وسينال الموظف الغزي حقه الذي أكله ذئب الشؤم  جورا  على مدار احدى عشر عاما عجاف ،حيث اثبت ولاءه لله والوطن فبقي على رأس عمله في السلم والحرب ، وهو لا يتقاضى ما يسكت به أنات أبناءه ، فسيزول حصاركم اليوم أو غد، وسيُحطم قضبان سجنكم الناري، وتشرع معابركم على العالم أبوابها المؤصدة وسيندم كل من وقع على صك حصاركم  أو من صمت ، صمت الجبناء، فلن تغفر لهم الأجيال  ولن ندع التاريخ  أن يمر على خياناتهم واسفافهم بحق مليوني من البشر مرورا .

 وسنصرخ فوق سفوح جبال الزمان وفي وجه المتشدقين" مسيرتُنا آتت أُكلها بإذن ربها ".

البث المباشر