قائمة الموقع

مكتوب: شاحنات "غير صالحة للسير" توزع الموت على الطرقات

2018-11-05T08:38:43+02:00
شاحنات
 تحقيق الرسالة نت – محمد عطا الله

بعد انتهاء دوامها المدرسي، حملت المعلمة الأربعينية أمل أحمد البحيصي حقيبتها وخرجت متجهة إلى منزلها الواقع في منطقة الكرامة شمال قطاع غزة، دون أن تدرك أنه اليوم الأخير لها بعد أن صدمتها شاحنة نقل "مياه حلوة" كان يقودها سائق قاصر لا يحمل أي رخصة قيادة أو تأمين للمركبة التي كانت تسير في شارع مزدحم بأطفال المدارس.

لم تفلح آنذاك جهود المسعفين في انقاذ حياة المعلمة البحيصي بعد أن اعتلت شاحنة المياه جسدها لتسبب نزيفا داخليا في رأسها؛ توفيت على إثره قبل وصولها للمستشفى، فيما هرب السائق وتم تسليمه لاحقا للشرطة خشية من ردة الفعل الأولية التي قد تصاحب صدمة عائلة المعلمة عند إخبارهم بالحادث.

وكما تجرى العادة وبعد تدخل رجال الإصلاح والعشائر، توصلوا إلى اتفاق صلح يتبعه عفو عن السائق من قبل العائلة المكلومة، دون استكمال إجراءات الحق العام ضد السائق، وفق ما يروي ابن المعلمة الشاب عبد الفتاح الشيخ في سرده لما جرى لـ"الرسالة".

مصدر خاص: فحص المركبات غير دقيق والأهم دفع الرسوم دون التأكد من سلامتها

ويرى الشيخ أن الاستهتار والتهاون في سير المركبات المخالفة وعدم اتخاذ إجراءات صارمة بحقها، هو السبب في استمرار تكرار تلك الحوادث دون رادع.

ولم يكن الحال مغايرا كثيرا لدى عائلة أبو حسين التي توفيت طفلتها نور (6 أعوام) قبل حوالي أسبوعين من كتابة هذا النص؛ إثر تعرضها للدهس بشاحنة مياه وهي مع أشقائها بالقرب من نادي مخيم جباليا شمال قطاع غزة.

ووفقا لشهود عيان على الحادثة فإن الطفلة أبو حسين كانت تقود "دراجتها الصغيرة" قبل أن تباغتها سيارة نقل المياه التي كانت ترجع للخلف دون أي مبالاة من سائقها مما تسبب في وفاتها على الفور بعد أن داست عليها عجلات الشاحنة، فيما عفا والد الطفل عن سائق الشاحنة قبل دفن ابنته.

ما سبق دفع معد التحقيق إلى البحث وراء تكرار واستمرار هذه الحوادث، لا سيما وأن عدد حالات الوفاة نتيجة تلك الحوادث بلغ 132 حالة منذ بداية العام 2017 وحتى نهاية شهر أغسطس من العام الجاري، عدا عن مئات الإصابات والاعاقات المستديمة والخسائر المادية نتيجة ذلك، وفق إحصائية الإدارة العامة لدائرة المرور في وزارة الداخلية.

ووفقا للمادة (26) من قانون المرور الفلسطيني رقم -5-لسنة 2000، فإنه لا يجوز لأحد قيادة مركبة آلية إلا إذا كان يحمل رخصة قيادة سارية المفعول لنوع المركبة التي يقودها صدرت بمقتضى أحكام هذا القانون، وبحسب المادة (22) فإنه يجب أن تكون المركبة مستوفية لشروط المتانة والأمن التي تحددها لائحة القانون.

ويعتمد أغلب سكان قطاع غزة بشكل كبير على مياه الشرب "الحلوة" التي تبيعها شركات تنقية وفلترة المياه حيث يتم بيعها من خلال شاحنات نقل تجوب شوارع وحواري القطاع.

مخالفة المواصفات

ويجمع المختصون على أن امتلاك السائق رخصة قيادة واحترامه لقواعد وقوانين السير، واستيفاءه لجميع الأوراق الثبوتية للمركبة من رخصة وتأمين ساري المفعول، يحد من تلك الحوادث.

ويعتقد الخبير القانوني والباحث في السلامة المرورية العقيد فتحي أبو سمرة، أن غياب العقاب الرادع والأحكام الشاقة بحق مرتكبي الحوادث يُشجع على تكرارها، مشيرا إلى أن قرابة الـ90% من الشاحنات غير مرخصة أو حاصلة على تأمين عدا عن أن جزءا كبيرا منها غير صالحة للسير على الطريق.

وفقا للمادة (26) من قانون المرور الفلسطيني رقم -5-لسنة 2000، لا يجوز لأحد قيادة مركبة آلية إلا إذا كان يحمل رخصة قيادة سارية المفعول لنوع المركبة التي يقودها صدرت بمقتضى أحكام هذا القانون.

ويقول أبو سمرة في حديثه لـ "الرسالة" إن أبسط درجات السلامة التي يجب اتباعها لدى السائقين للشاحنات والمركبات الكبيرة هي تركيز سائقها أثناء القيادة، ومساعدته من قبل مساعده في تأمين الطريق عند الرجوع إلى الخلف.

ويشدد على ضرورة أن تخضع الشاحنات وخاصة التي تنقل المياه للمواصفات والشروط اللازمة وكذلك سائقها، والالتزام بالمواصفات ومتابعة الأمر من قبل الجهات الحكومية المشرفة على الملف.

ويوضح أنه من الضروري أن تخضع الشاحنات إلى فحص دوري شهريا وكذلك أن يخضع السائق إلى فحص طبي كل عامين للتأكد من سلامة صحته وقدرته على قيادة المركبة دون إيقاع أي ضرر بالمارة والمركبات التي تسير على الطريق، مستشهدا بإحدى مواد قانون المرور والتي تجبر السائق على ضرورة التبليغ في حال طرأت أي مشكلة على صحته؛ خشية من أن يتسبب ذلك في حادث.

ويُحمل العقيد أبو سمرة مسؤولية تكرار الحوادث إلى المشرفين على الطريق -أي الجهات الرسمية-والسائق الذي سرعان ما يتم مكافئته على فعلته بالتهافت على إخراجه من السجن دون أن يشعر بأدنى عقوبة من المفترض أن يتحملها.

تقصير واضح

وأفاد مصدر خاص لـ"الرسالة" بوجود تغاظ وتهاون من قبل فحص السير الذي تجريه وزارة النقل والمواصلات للشاحنات عند تجديد رخصة الشاحنة والاهتمام بدفع صاحب الشاحنة للرسوم دون التدقيق في سلامتها، وهو ما يؤكده أيضا أحد أصحاب شاحنات نقل "المياه الحلوة".

وبحسب إحصائية رسمية حصل عليها معد التحقيق من وزارة النقل والمواصلات فإن 145 شاحنة توزيع مياه الشرب فقط حاصلة على ترخيص رسمي من أصل 313 شاحنة.

ووفقا للإحصائية ذاتها فإن أغلب الحوادث المرورية التي تسببت في قتل عشرات المواطنين ناجمة عن الشاحنات غير المرخصة لدى الوزارة والتي لا تلتزم بشروط السير والسلامة.

وتبلغ تكلفة رسوم ترخيص شاحنات توزيع المياه لحوالي 2100 شيكل فيما تتراوح رسوم تأمينها بحسب شركات التأمين ما بين 2400 شيكل إلى 3500 شيكل وفق نوع وقوة محرك الشاحنة وتاريخ انتاجها.

معد التحقيق حمل هذه القضية ووضعها على طاولة م. هاني مطر نائب مدير عام الهندسة والسلامة المرورية في وزارة المواصلات، والذي بدوره أكد أن إدارته لا تألو جهدا في القيام بأنشطة وإجراءات لتصويب الأوضاع القانونية في التعامل ما بين السائق والطريق من خلال الحصول على المسوغات الرئيسة كالرخصة وسلامة المركبة والقيادة.

المواصلات: عدم مبالاة من السائقين وافتقار المركبات لمقومات السلامة والمسؤولية جماعية

ويُقر مطر بتهاون بعض السائقين وافتقار بعض المركبات لمقومات السلامة والأمان، خاصة وأنها تمر في شوارع وطرق فرعية، مشيرا إلى أن "هذا التهور مع الأسف يسبب بعض الحوادث المؤلمة".

قرار جريء

ويلفت إلى أن هناك العديد من المركبات غير المؤهلة على الطريق وهو ما يتطلب قرارا جريئا في التعامل معها، مشيرا إلى أنهم غير معفيين من المسؤولية في هذا الأمر إلى جانب مسؤولية شرطة المرور في منع تلك المركبات من السير على الطريق.

وهنا كان لابد من طرق باب إدارة السلامة العامة والمرور بوزارة الداخلية. هناك قابلنا المقدم حقوقي فهد حرب مفتش تحقيقات حوادث المرور، والذي شدد على أنه لا يمكن إلقاء المسؤولية على إدارته وحدها، معتبرا أن من يرسم السياسة المرورية هي وزارة النقل والمواصلات.

ويضيف المقدم حرب لـ"الرسالة" أن من يتحمل مسؤولية هذا الأمر هي وزارة النقل والمواصلات المسؤولة عن رسم السياسة المرورية في طرقات المحافظات، بينما وزارة الداخلية مسؤولة عن تطبيق القانون والجهة القضائية ومهمتها تنفيذ الأحكام.

ويوضح أنهم يحولون السائقين الذي لا يحملون رخصة قيادة الى المحاكم لاتخاذ إجراءات صارمة بحقهم، إلا أن الأخيرة تقوم بتغريمهم فقط 50 شيكلا بدلا من 180 دينارا أردنيا كعقوبة؛ بذريعة الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها المواطنون.

ويشير إلى أن أغلب الحوادث التي تسببت بحالات وفاة ناتجة عن قيادة مركبات لسائقين لا يمتلكون رخصة، ويتم التغاضي عنهم بحجة الظروف المعيشية والواسطات" والمعارف لديهم، مشددا على ضرورة أن يتم اتخاذ أقصى درجات العقوبة بحق أي سائق يسير بدون رخصة قيادة.

ويُحمّل حرب المسؤولية المطلقة في تلك الحوادث للسائقين، مبينا أنه خلال العام الماضي سجلت 93 حالة وفاة بسبب الحوادث، فيما وصلت العام الحالي وحتى كتابة هذا النص إلى 39 حالة وفاة 25 منهم أطفال إلى جانب مئات الإصابات.

"المجلس الأهلي" لمنع حوادث الطرق: الحل يكمن في تركيب كاميرات خلفية للشاحنات

الأخطر من ذلك وفق المقدم حرب هو عدم وجود تأمين للمركبات وإجبار الشاحنات به، مما يترك المتضررين من الحوادث في وضع يرثى له دون مقدرتهم على شراء العلاج وبقاء بعضهم بعاهات مستديمة.

وينوه إلى أن المشكلة تكمن في تهافت رجال الإصلاح والعشائر على إتمام الصلح الذي يتسبب "في أكل حقوق بعض الناس بقصد أو دون قصد ويترك المتضررين من الحوادث يعانون أوضاعا صعبة طوال الحياة"، على حد وصفه.

ويلفت إلى أن منع الحوادث والحد منها يحتاج إلى ضبط من جميع الجهات المسؤولة سواء من الشرطة والقضاء والمواصلات، مردفا "هذه الفوضى يتحمل مسؤوليتها الجميع".

حلول مٌعلقة

ويرى حسن القرشلي عضو جمعية المجلس الأهلي لمنع حوادث الطرق، أن سبب استمرار الحوادث يعود إلى أن أغلب السائقين مخالفون للقانون ويسيرون بدون رخصة قيادة؛ إلى جانب عدم استخدام التكنولوجيا الحديثة في الشاحنات.

ويُضيف القرشلي في حديثه لـ"الرسالة" أن الحل الوحيد لتجنب وقوع تلك الحوادث، هو تزويد الشاحنات بكاميرات خلفية و"حساسات" لاستشعار الحركة حول المركبة.

وبيّن أن هذا الأمر كان شرطا في السابق لحصول أي مركبة على الترخيص، إلا أن تدهور الوضع الاقتصادي في قطاع غزة دفع الجهات المسؤولة إلى التساهل وعدم متابعة تركيب الكاميرات على الشاحنات، دون مخالفة المتجاوزين.

وبالعودة إلى العقيد الباحث في السلامة المرورية أبو سمرة فإنه يتفق مع سابقه القرشلي في استخدام التكنولوجيا الحديثة للحد من تلك الحوادث، إلى جانب الاهتمام بالتوعية والتأهيل ومتابعة الشرطة بشكل حثيث للطرقات وإقامة الحواجز لمخالفة المتجاوزين.

باحث بالسلامة المرورية: غياب الرادع يشجع على تكرار الحوادث وأغلب الشاحنات غير قانونية

في ظل غياب العقوبة الرادعة

 

ويلفت إلى أهمية متابعة السائقين والشاحنات التي تسير على الطريق بشكل دوري وفرض الإجراءات اللازمة والصارمة بحقهم كون أن الأمر يتعلق بأرواح المواطنين.

الاقتراح السابق ذهب إليه أيضا نائب مدير عام الهندسة والسلامة المرورية بالمواصلات مطر، مبينا أن تقليل تلك الحوادث يمكن أن يتم من خلال فرض أنظمة الكترونية تُلزم الشاحنات بها إلى جانب الخروج بتوصيات ملزمة عبر الاحتياجات الفنية للطريق والمركبات للخروج بأقل الأضرار.

وبين أن عدم توفر الكاميرات في مراقبة المركبات شكل عائقا لهم في ضبط السائقين، منوها أنهم يواصلون بشكل ميداني وفاعل حملات ارشاد للسائقين وتوعيتهم.

المقدم الحقوقي حرب شدد على أن المسؤولية لديهم تكمن بأهمية منع قيادة أي مركبة غير صالحة للسير أو قيادتها من قبل سائق لا يمتلك رخصة قيادة أو أوراقا ثبوتية، لكن تبقى المسؤولية متكاملة مع باقي الجهات الأخرى.

وأمام ما سبق فإن هناك إجماعا كبيرا بضرورة الحد من الحوادث التي تسببت في قتل وإصابة المئات على مدار السنوات الماضية، من خلال منع الشاحنات غير الصالحة من السير على الطريق وإنزال أقصى العقوبات على المخالفين.

إلى جانب ذلك فإنه من الضروري على الجهات المختصة أن تكون أكثر حزما في الحد من الحوادث وإجبار السائقين على تركيب كاميرات خلفية وأجهزة استشعار كون أن حياة المواطنين أغلى من كل شيء.

اخبار ذات صلة