يقدم الروائي السوداني "حامد الناظر" في روايته الثانية "نبوءة السقا" قراءته لمرحلة تاريخية هامة في حياة إرتريا، هي مرحلة انطلاق الثورة المسلحة من أجل الاستقلال عن أثيوبيا، في ستينيات القرن الماضي، وما تلا ذلك من إخفاقات ونجاحات وصراعات تشكّل الخلفية الزمنية والموضوعية لأحداث الرواية.
ففي بلدة "عجايب"، الواقعة على الساحل الإرتري، ينشأ صراع بين طبقتين رئيسيتين تعيشان فيها، هما طبقة "الأوتاد" الإقطاعية التي تتمتع بالثروة والنفوذ، وطبقة "الأحفاد" وهي جماعة من الرقيق، تعمل في خدمة الطبقة الأولى. "لقد كان الأحفاد نوعاً من الرقيق، مع أن ألوانهم أو ملامحهم لا تختلف عن بقية الناس. لا يمكن أن تميّزهم إلا حين تراهم يؤدون أعمالهم الشاقة المذلة. يزرعون أو يرعون من دون أجر، في أرض غير أراضيهم، وأنعام غير أنعامهم. (...) كانت لكل عشيرة أو أسرة كبيرة، أسرة ملحقة بها من هذه الطبقة، تابعة لها ولا تنفصل عنها، تورّثها وتقتسمها كما تقتسم المواشي والأراضي والبيوت. كيف استُعبدوا؟ ومن أين جاؤوا؟ لا أحد يعلم! إلى أين تنتهي أنسابهم؟ وما هي قبائلهم؟ لا أحد يجيبك أيضاً".
تصور الرواية عذابات هذه الطبقة، وحالة القهر التي سببها هذا الانقسام بين الطبقتين، وسيادة إحداهما على الأخرى، كما تصور نضال "الأحفاد" المستمر في سبيل حصولهم على اعتراف رسمي بحقوقهم وكينونتهم، في حين تقف الطبقة الأخرى "الأوتاد" لهم بالمرصاد، متوجسةً من حصولهم على حريتهم، فيبدأ الصراع بين الطبقتين، حتى كاد يصل إلى حرب طاحنة.
تجري أحداث الرواية على خلفية قيام ثورة الإريتريين على النظام الإثيوبي، وسعيهم إلى الخلاص من احتلاله، والحصول على الاستقلال، وكيف جوبهت تلك الثورة بالقتل وإحراق القرى الثائرة وإتلاف أملاكها. ترسم الرواية صورة هذه الثورة بنجاحاتها وإخفاقاتها وصراعات قادتها، ومآلاتها، بموازاة رغبة "الأحفاد" في نيل حريتهم والخلاص من عبوديتهم. وخاصة بعد أن يتقدم "المأمور" صاحب السلطة الواسعة بطلب الزواج من "فاطمة" التي تنتمي إليهم، ما يجدد آمالهم، ويحيي نبوءة قديمة توارثوها جيلاً بعد جيل. "ستقتلون على يد جيش جرار يأتيكم من أرض الحبشة، يقوض سلطانكم، ويستعبد أحفادكم من بعدكم ألف عام حتى يلدوا جوهرتين، إحداهما من بطن أمة لهم وأخرى من سادتهم، الأولى تموت والأخرى تأتي من أرض بعيدة، سيخلصهم سلطان عادل، ويجتمعون من كل مكان في وادي العجائب والذهب".
هكذا، يرى "الأحفاد" أن موعد تحقق النبوءة قد أتى أخيراً، فلن يستطيع "الأوتاد" الوقوف في وجه السلطة، ومنع المأمور من تنفيذ رغبته في الزواج من "فاطمة"، لكن الأمور تتعقد حين يطلب زعيم "الأوتاد" أن يتزوجها أيضاً، بذريعة أنه يريد إحلال السلام بين الجماعتين المتنازعتين. تتزوج "فاطمة" من المأمور، لتكتشف أنها كانت ضحية خدعة ورّطها بها الزعماء كي يحصلوا على دعم الحكومة في صراعهم مع القبيلة الأخرى، وبعد أن يرجع "محمود" الشاب الذي كانت تحبه، والذي قيل لها إنه مات في الحرب بعد أن غاب خمس سنوات، تشعر بانهيار أحلامها، وتقرر الانتحار.
يكتب "حامد الناظر" روايته بلغة سلسة رشيقة، بعيدة عن التكلف اللغوي، ويطعّمها بكثير من الحوارات التي تكسر رتابة السرد، إلى جانب المقطوعات الشعرية والرسائل والمذكرات الشخصية التي تعطي النص حيوية وجاذبية إضافية. واللافت أيضاً في الرواية قدرة الكاتب على إدخال العنصر التاريخي والمعلومة الوثائقية دون أن يخل بتناغم النص، ودون أن يكون عبئاً على الحكاية، بل رافداً لها.
حامد الناظر إعلامي وروائي من السودان، مواليد 1975. يقيم في الدوحة. روايته الأولى "فريج المرر" حازت جائزتين: جائزة الشارقة للإبداع الروائي 2014، وجائزة فودا فون قطر للرواية 2014. و"نبوءة السقا" روايته الثانية وقد وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية 2016.