قائد الطوفان قائد الطوفان

مكتوب: ما بين البدلة العسكرية وربطة العنق.. 14 عامًا أعجفًا

عرفات وعباس
عرفات وعباس

الرسالة نت - شيماء مرزوق

لستَ بحاجة إلى الكثير من التحليل والفطنة كي تدرك الفرق بين النهج الذي اتبعه كل من الرئيس الراحل ياسر عرفات والحالي محمود عباس، فربما تعكس القشور الخبايا فحينما تمسك الأول بالزي العسكري حتى آخر يوم في حياته، لم يتخلَ الآخر عن ربطة العنق، وفي الحالتين دلالات مهمة لشعب تحت الاحتلال يقاوم للبقاء والدفاع عن حقوقه ولرئاسة حركة يفترض انها تهدف للتحرر من الاحتلال بمقاومته وليس مشاركته.

ورغم الأزمة السياسية التي يعاني منها عباس والتي تتطلب قراراً جريئا بوقف العلاقة مع الاحتلال والتنسيق الأمني وسحب الاعتراف به إلا أنه ما زال يمتنع عن اتخاذ هذا الموقف لأنه يدرك جيداً ان تحدي (إسرائيل) له ثمن، وهنا المقصود التحدي على الأرض وتغيير الوقائع وليس الخطب النارية التي يسمعها ضباط الأمن الفلسطينيون و"الإسرائيليون" معاً، في جلسات التنسيق والتقييم اليومي للوضع الأمني ضد المقاومة بالضفة الغربية.

ويمكن القول إن عباس عاش حياته في الرئاسة وهو يضع مصير عرفات نصب عينيه ويخشى من أن أي قرار ثوري سيتركه في المقاطعة محاصراً، وخاصة وهو كان أحد أطراف اللعبة والمؤامرة التي أحيكت ضد عرفات، ويعرف جيدا كيف يحافظ على نفسه في السلطة حتى آخر يوم من حياته.

ما بين عرفات وعباس أبعد من التحدي بالخطب والكلمات النارية التي يعتمدها أحيانا الثاني لتغطي على تخاذله في الواقع، بينما كان عرفات في بعض خطبه ليناً ويده تضرب من تحت الطاولة وتؤجج الانتفاضة.

حينما فشلت قمة كامب ديفيد عام 2000 أدرك عرفات الفخ ورفض التوقيع على اتفاق ينقص من حقوق وثوابت شعبه ثم عاد للأراضي الفلسطينية ليغير قواعد اللعبة ويحاول الضغط على الاحتلال من خلال انتفاضة شعبية، بينما عشرات جولات المفاوضات الفاشلة التي خاضها عباس وفريقه لم تكن سببًا كافيًا بنظرهم لإنهاء لعبة الطاولات المستديرة والبحث عن لعبة الميدان التي غالباً ما تكون الفيصل.

أما في ساحات الاشتباك الدبلوماسي كما يسميها فريق أوسلو فقد ذهب إليها عرفات عام 1974 بخطاب ناري تضمنت كلماته ''غصن الزيتون'' والحوار الهادئ والرغبة في السلام والتعايش، وحملت أيضًا بين طياتها 'تهديدا بمقاومة مشروعة' للاحتلال، بينما كرر عباس في كل مرة خطابات الاستجداء والضعف قائلاً "لمن نشتكي؟".

عرفات تمسك بنهجه الثوري حتى حينما أنشئت السلطة وتولى رئاستها فقد أدرك أنها ستبقى سلطة تحت الاحتلال ومرحلة انتقالية لما بعدها، بينما يرفض عباس التخلي عن السلطة رغم أنها فقدت كل مقوماتها والأسباب التي قامت لأجلها.

ورغم اختلاف الظروف التي أحاطت بالرئيسين كل في مرحلته، فإن عرفات جعل من الشعب وفصائله مرجعية له في القضايا الحساسة خاصة حينما يرفض التنازلات، خلافا لعباس الذي جعل من المقاومة وحق العودة حقا فرديا، كما تجاهل شعبه وارادته واستقوى بالاحتلال والمجتمع الدولي عليه.

ورغم ان اتفاق أوسلو خلق حالة غضب ورفض عارمة بين الفصائل وفي أوساط حركة فتح ذاتها إلا أن عرفات حاول استيعابها، ولم يتخلَّ يوماً عن الوحدة الوطنية بخلاف عباس الذي قسم كل شيء في عهده حتى فتح التي باتت بكل وضوح عبارة عن فتوحات.

ويمكن القول إن الشعب الفلسطيني مرت عليه 14 عاماً أعجفًا قاده خلالها عباس نحو الهاوية.

الكاتب والصحفي حسن عصفور قال إن ذكرى اغتيال الخالد هذا العام، حملت بعض "مظاهر" تختلف عما كان في سنوات سابقة، وتحديدا لرئيس سلطة المقاطعة، عندما حاول العودة الى بعض من تراث الخالد، دون الجوهري منها.

ويستذكر عصفور وهو أحد الفريق المفاوض لعرفات أنه في قمة كامب ديفيد رفض أي محاولة لتهويد البراق، ساحة وحائطا ومكانا؟ عدة أمتار كان لها ان تفتح بابا لتسوية "تاريخية" في فلسطين، مع دولة فوق ما يقرب الـ 95% من أراضي الضفة والقدس وقطاع غزة.

ويضيف بأن عدة أمتار تقترب من 16 مترا، وصفها الرئيس الأمريكي كلينتون، بأن تلك الأمتار منعت صناعة "تسوية تاريخية"، لأن عرفات أعلن أن لا مكان لغير المسلمين والمسيحيين في القدس والبلدة القديمة.

ولفت إلى أن من يتباكون اليوم على رحيل عرفات، تطوعوا، وبلا أي مقابل الى اعتراف بـ "يهودية البراق حائطا وساحة" منح مجاني فقط لتحسين "رضا" دولة الكيان، فكان التجاهل لتلك الفئة التي تخلت عن قضية عرفات المركزية.

وشدد على ان ذكرى عرفات ليست كلمات تتردد دون تدقيق في معناها، كالقول إن الوحدة الوطنية هي أغلى ما نملك وفقا لبيان محمود عباس بمناسبة الذكرى، وهو الطرف الأساسي في تدمير الوحدة الوطنية والسياسية، بل الكيانية، بتنفيذه المؤامرة الأمريكية-الإسرائيلية.

البث المباشر