بعد أن وقعت أسوأ الاحتمالات بانكشاف أمر القوة الخاصة المتسللة شرق خانيونس ومقتل قائدها، وجدت قيادة الاحتلال نفسها في ورطة سياسية وعسكرية، على الصعيد الداخلي (الإسرائيلي) وكذا الحال في المشهد على حدود قطاع غزة.
وفي تفاصيل الحادثة، أنه جرى اكتشاف امر الوحدة الخاصة الاسرائيلية بعد ان تسللت الى داخل القطاع لتنفيذ مهمة استخباراتية، إلا أنها اصطدمت بقوة من كتائب القسام، فيما أدى اشتباك مسلح بينهما إلى مقتل قائد الوحدة المتسللة واستشهاد سبعة من عناصر القسام بينهم قائد ميداني، فيما كاد الحادث أن يودي بالقوة المتسللة اسيرة في يد المقاومة، لولا الغطاء الجوي المكثف الذي رافق عملية فرارهم من خانيونس.
وبعيدا عن التحليل السياسي و العسكري لما جرى، فإن العملية كان لها صدى كبير في المجتمع السياسي الإسرائيلي، إذ علق محلل إسرائيلي بارز يدعى رون بن يشاي، بقوله "هل كان الغرض التصفية أم الاختطاف من وراء هذا التوغل لقوة من الجيش الإسرائيلي؟ وكيف تواجد في المكان قائد قسامي؟".
وأكد بن يشاي الذي يعمل محللا عسكريا لصحيفة "يديعوت أحرنوت" العبرية، رون بن يشاي:أن "دخول قوة من الجيش الإسرائيلي لبلدة في قطاع غزة، حتى لو كانت ذات تدريب جيد ومؤهلة لذلك، فهي عملية تعرض حياة الجنود للخطر، ويمكنها أن تؤدي إلى وقوع أحدهم في الأسر، وبالتالي سيؤدي هذا إلى تصعيد حاد في التوتر".
ومن المؤكد أن هذه الحادثة ستفتح الباب واسعا أمام المزايدات الحزبية الإسرائيلية، اكثر مما هو عليه الآن، إذ هي العملية العسكرية الاستخباراتية الأولى في تاريخ ليبرمان كوزير للحرب، وانتهت بفشل واضح، في الوقت الذي كان يؤكد فيه على قدرته دخول معركة عسكرية قوية مع حركة حماس في غزة، وكذا الحال يأتي الحدث في وقت الهدوء الذي أنتجه جهد مصري قطري أممي على مدار أسابيع مضت، مما يدخل الاحتلال في حرج سياسي أمام هذه الدول.
وفي التعقيب على ذلك، قال الدكتور عدنان أبو عامر المختص في الشؤون (الإسرائيلية) حول حدث خانيونس: "كأني أقرأ قائمة بأسئلة كثيرة ستطرحها لجنة تحقيق إسرائيلية سرية، ستقام داخل هيئة الأركان، تستدعي فيها كبار جنرالات قيادة المنطقة الجنوبية، وجهازي الاستخبارات العسكرية "أمان" والأمن العام "الشاباك".
ومن الأسئلة التي طرحها أبو عامر: "أين مصادرنا الأمنية الدقيقة التي تعد أنفاس الفلسطينيين في غزة، وتحصي دقات قلوبهم، وتعرف ما يأكلون في بيوتهم؟، هل وضعت قيادة الجيش والمخابرات فرضية تفيد بفشل العملية، ولو بنسبة واحد بالمائة، وأن ثمن هذا الفشل سيكون من دماء جنود وضباط النخبة الإسرائيليين؟.
وتابع بفرضه الأسئلة: "كيف لم تقم فرقة غزة بمزيد من الإجراءات الأمنية والعملياتية لتوفير قدر أكبر من الحماية لجنودها المتسللين داخل حدود غزة؟، سلاح الجو الذي نفذ عملية تغطية مكثفة لانسحاب الفرقة المتسللة، أين كان قبل تسللها، وهو يمشط سماء غزة من أقصاها إلى أقصاها، بمختلف الطائرات المقاتلة والاستطلاعية، كيف أن الرادار الإسرائيلي وكاميرات المراقبة برا وجوا، لم تلتقط تحركات ميدانية للمقاومة، حالت دون تنفيذ المهمة "بشكل نظيف"؟
أما من الناحية السياسية، فقد طرح أبو عامر سؤالا وصفه بـ"الأخطر": عملية بهذه الدسامة، ما زلنا في طور التكهنات حولها، هل تم تمريرها ميدانيا عبر المستويات العسكرية فقط، دون الحصول على إذن الرجل الأول في الدولة، وهو نتنياهو؟ وختم بقوله: "هذه أسئلة مفصلية وسواها، لن يكون سهلا الإجابة عنها من كبار الضباط في المؤسستين الأمنية والعسكرية، في ظل خيبة الأمل التي أسفرت عنها عملية الساعات الأخيرة، واكتفت إسرائيل بوصفها الحدث الأخطر منذ فترة طويلة".
وفي ذلك، ذكر بن يشاي، أن "عملية مثل هذه التي نفذت مساء الأحد، تعتبر عملية نادرة في السنوات الأخيرة، ولها أن تتم في ظروف خاصة فقط حين لا تتوفر معلومات استخباراتية أو عملياتية، أو أن تجرى بدون مشاركة مقاتلين في الميدان، وتؤدي المهمة المرجوة من الجيش أو جهاز الشاباك".
وأوضح أنه "من المتبع أن تكون عملية كهذه، قد حددت بصورة قاطعة مؤكدة هدفها أو النقطة المستهدفة للإصابة، يسبقها دراسة وتحقيق دقيق وشامل، في علاقة مباشرة مع جمع المعلومات الاستخباراتية". ولفت إلى أن مثل هذه "العملية السرية، أحيانا تتم عندما تتوفر معلومات استخباراتية نوعية عن فرصة لا تتكرر لتصفية أحد العناصر الرفيعة، أو تدمير مركز معلوماتي أو تعطيل وسائط قتالية ذات جودة عالية، أو للحصول على ورقة مساومة، لكن على ما يبدو لم تكن النوايا هنا من هذا القبيل".
ويبقى السؤال: "ما الذي حدث هناك بالضبط؟، كيف ولماذا انكشف عناصر العملية السرية وتورطوا في الاشتباك؟"، وفق المحلل الإسرائيلي الذي نوه إلى أن "الأمر الآخر المثير للحيرة، هو كيف ظهر قائد رفيع من حماس في مسرح العملية، فقتل خلال الاشتباك؟ وهل حضرت القوة الإسرائيلية لملاحقة أنشطته، على سبيل المثال، في تعقب حفر الأنفاق؟".
ولم يختلف المختص في الشأن (الإسرائيلي) ياسر مناع مع أبو عامر، بقوله: "لسان حال " نفتالي بنيت " اليوم ثبت قولي بان افيغدور ليبرمان لا يحمل اي خطة للحرب في قطاع غزة فقد فشل في تنفيذ مهمة واحدة داخل القطاع فكيف له ان يخوض حربا"، مضيفا فشلٌ يُقلَّد به غادي ايزينكوت قبل مغادرته اروقة هيئة الاركان ايضاً، حادثة الامس كادت تسقط هرم المؤسسة العسكرية بأسره، عدا انها اسقطت جزء منه.