انتهت جولة التصعيد العاشرة خلال الشهور الأخيرة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي بعد 48 ساعة مفصلية، لكن التداعيات السياسية والعسكرية لم تنته بعد، وكانت أولى ارهاصاتها التظاهرات التي عمت مدن غلاف غزة واستقالة وزير جيش الاحتلال ليبرمان.
المواجهة التي جاءت بعد أيام من تطبيق أولى مراحل تثبيت وقف إطلاق النار في غزة من خلال ادخال المنحة القطرية للرواتب، وضعت الاتفاق أمام اختبار حاسم بين استمرار التفاهمات أو انهيارها.
المبعوث الأمريكي السابق إلى الشرق الأوسط دينيس روس، قال إن التهدئة طويلة الأمد لازمة لمواصلة البحث عن تسوية للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لأن الخيارات المتاحة حاليا محدودة جدا، فيما تبلور خيارات جديدة يتطلب فترة كافية من الهدوء، وأضاف: "إذا أردنا أن نشهد تقدما على مسار السلام، لا يمكن أن نسمح لغزة أن تنفجر".
وعلى ما يبدو فإن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ليست بعيدة عن مثل هذه الحسابات، رغم ارتفاع أصوات إسرائيلية كثيرة تنتقد قبول التهدئة الأخيرة مع حماس.
قوة المواجهة والرد القاسي من المقاومة الفلسطينية على عملية خانيونس الفاشلة طرح تساؤلا مهما حول مصير تفاهمات تثبيت وقف إطلاق النار، لكن معظم المؤشرات تذهب باتجاه استمرارها
ويمكن رصد ستة مؤشرات تعطي دلالات واضحة على أن التفاهمات لم تنهار وستستمر جميع الأطراف بدعمها بما فيها الطرف "الإسرائيلي" وهي:
أولاً: الفعل العسكري المحسوب وقد ظهر جلياً من خلال حجم ونوعية الضربات التي وجهها الاحتلال لغزة حيث تعمد احداث دمار كبير ليخرج بصورة المنتصر مع تفادي اسقاط عدد كبير من الضحايا كي لا يجبر المقاومة على الرد بقسوة وبالتالي تفجر الأمور نحو مواجهة شاملة.
ومن ناحيتها وسعت المقاومة الفلسطينية من ردها كماً ونوعاً عن الجولات السابقة، وضغطت عسكرياً بقوة لكنها تركت منفذا للاحتلال للخروج من الجولة نحو التهدئة ويتضح ذلك بقوة من رسالة تفجير الباص التي قالت فيها بصراحة أنه كان بإمكانها قصفه أثناء تواجد عشرات الجنود بداخله لكنها لم تفعل.
ثانياً: استمرار عمل المعابر بكامل طاقتها وضخ السولار الخاص بمحطة الكهرباء والبضائع نحو القطاع بالشكل المعتاد دون توقف ما يعطي إشارات على عدم رغبة الاحتلال بتدهور التفاهمات، وقد كان الاحتلال يغلق المعابر رداً على البلالين الحارقة سابقاً.
ثالثاً: موافقة الاحتلال على وقف إطلاق النار المهين له، فقد قبل بانتهاء الجولة رغم التفوق الواضح للمقاومة فيها وهو ما فاجأ الكثيرين حتى في أوساط "الإسرائيليين" ما دفعهم للخروج في تظاهرات منددة بهزيمة الاحتلال.
رابعاً: استقالة ليبرمان ربما تدفع نحو تعزيز التفاهمات وزيادة فرص الاتفاق المالي القطري وفتح الباب أمام جهود مصرية وأممية خاصة وانه كان من بين المعترضين على الاتفاق من باب المزايدة على رئيس حكومته نتانياهو الذي يسعى بقوة نحو الاتفاق كونه يرى فيه مصلحة إسرائيلية، بينما تنبع مواقف باقي الوزراء من باب المزايدات الداخلية.
خامساً: قد تدعم الجولة الأخيرة من المواجهة ومراكمة النجاحات التي حققتها المقاومة في المزيد من الضغط على الاحتلال لدفعه نحو تفاهمات التهدئة.
سادساً: التدخل السريع من عدة اطراف سواء مصر أو قطر او الأمم المتحدة ما يشير إلى حرص جميع الأطراف على انقاذ التفاهمات، وقد ترجم ذلك من خلال ما ذكرته هيئة البث العبرية "كان"، مساء الثلاثاء، أن مصر تقدمت بطلب رسمي للمرة الأولى بوقف إطلاق النار، ووزارة الخارجية المصرية أوضحت أنها طالبت (تل أبيب) بالوقف الفوري لكل أشكال العمل العسكري في غزة، وما تبعه من زيارة للوفد الأمني المصري ونائب ميلادينوف إلى غزة.