اسمه نور، وهو نور على نور، كمصباح أضاء نوره كل من حوله، حتى بات فراقه صعبا على أهالي مينة خان يونس، تجسدت تلك اللوعة في عدد من شاركوا في جنازته، وتجرعوا لوعته، تلك اللوعة التي أشعلت النيران، وهبت المقاومة للأخذ بثأره، فكان لها ما أرادت.
هل يمكن لاحد أن يتفهم الفكرة، الفكرة أن نور الدين بركة أكبر من أقلامنا، وأكبر من أن نكتب عنه صفحات لتقرأ، أو كلمات لتسمع أو صورة تشاهد، هو أكبر كثيرا من توقعاتنا أيضا، ورغم أننا لا نعرف الكثير عنه، أو لا يعرف الكثير عنه، إلا أن محبيه من أهالي خان يونس واستنفارهم غضبا وحزنا هو ما دل على عظيم مكانته وشرفها.
ففي الحادي عشر من نوفمبر تسللت قوات صهيونية في محاولة لخطف بركة عبر سيارة عمليات مجهزة، ولم تكشف عن أسباب دخولها، ولكن الأمر انتهى بطريقة لم يكن الاحتلال يشتهيها أو يتوقعها، حيث تصدى لهم شباب الأنفاق، نور ورفاقه وأفشلوا قصتهم ورسموا لها نهاية أخرى بموت قائد وحدتهم ورجوعهم صاغرين بعد أن فقدنا نور وستة من رفاقه القساميين حيث ارتقوا جميعهم بقصف الطائرات التي شكلت ستارا للعملية الفاشلة .
لقد كان استشهاد نور متوقعا كما قالت شقيقته:" مرت علينا ثلاث حروب ونحن ننتظر خبر استشهاد نور، ولكنه اليوم يستشهد بطريقة لم تكن بالحسبان ونحن ننتظره الآن ليعود ويحدثنا بما حدث، ويقول لنا كيف أنتم ماذا تفعلون، وكأنه حلم، وقد كان حلمه وتحقق، ذلك الأسطورة الذي حمى البلاد كلها من مصيبة كبيرة هو ورفاقه جازاهم الله خيرا"
وقد عرف نور الدين بركة بذكائه الثاقب ونظرته التي جعلته يلاحظ حركة سيارة قريبة وغريبة في المكان تتعقبه وتتربص به، قبل أن يتصل برفاقه القساميين ليخبرهم بتوجساته، وما هي إلا دقائق حتى كانوا في المكان يكشفون المؤامرة التي لم يحبكها الاحتلال جيدا .
ويبلغ القيادي الميداني في كتائب القسام من العمر 37 عامًا، وكان قد حصل على درجة الماجستير في الفقه المقارن من الجامعة الإسلامية بغزة قبل شهرين وقد تناول فيها مجال عمله بالمقاومة بعنوان "الإهمال في العمل الجهادي".
وقد أضافت شقيقته أيمان بركة فجر يوم الاثنين على صفحتها في فيس بوك :" قائلة: " هذه صلاة الفجر الأولى التي لم يصليها نور منذ أن بلغ الحلم، يشهد الله أنّك الأنقى والأتقى والأصدق، لا يمكن للكلمات التي تصفك؛ فو الله إنّي أحبّك يا روحي، حاربتُ كل مَن وصفك بالمتشدّد، كنت صديقي وحبيبي".
ويعتبر نور بركة أحد قيادي الكتائب وهو قائد كتيبة مهم في شبكة الأنفاق في قطاع غزة، ويعلم خباياها وطبيعتها وقد تكون القوات الخاصة دخلت لاختطافه أو اغتياله، ويتوقع محللون أن الاحتمال الأول هو الأغلب لأن الاحتلال لا يخاطر بقواته من أجل اغتيال.
ومعظم التجهيزات التي تم العثور عليها في سيارة القوات الخاصة تدل على أن النية كانت هي محاولة اختطاف وليست محاولة اعتقال، وقد يكون سعيا للحصول على معلومات مهمة منه، وما زال الاحتلال متكتما على تفاصيل عمليته وأهدافها بعد أن أفشل بركة مخططتهم بدهائه وسعة عقله.
نور أب لولد واحد وهو عبد الرحمن البالغ من العمر ثلاثة عشر عاما ولخمسة بنات أصغرهن عائشة التي لا تتعدى العامين، والتي كانت متعلقة بأبيها، كما تحدثت شقيقة الشهيد التي قالت إن شقيقها كان متعلقا بالعلم والجهاد وقد أنهى رسالة الماجستير في شهر واحد، بعد تأجيلها لسنوات بسبب الحروب المتواصلة على غزة والتي لم تسمح له بالتفرغ للدراسة.
ولفتت إلى حبه لحفظ القراءة وتعلمه فقد كان أول من أجيز بالقراءات العشر في قطاع غزة بالسند المتصل عن رسول الله عليه الصلاة والسلام .
أما رفيقه في ذات المسجد خالد أبو مصطفى والذي يرافقه منذ كان عمره 14 عاما فقد تحدث عن مناقب الشهيد وحرصه على حضور حلقات العلم وحفظ القرآن الكريم وتدبره واهبا في ذات الوقت حياته للجهاد في سبيل الله والدفاع عن وطنه .
وقد رافق نور في تحقيق حلم الشهادة حسب اعلان وزارة الصحة محمد ماجد موسى القرا 23 عاماً، وعلاء الدين محمد قويدر 22 عاماً، ومصطفى حسن محمد أبو عودة 21 عاماً، ومحمود عطا الله مصبح 25 عاماً، علاء نصر الله عبد الله فسيفس 24 عاما