بعد تسعة أيام على الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين لنتنياهو، قام زميله وزير المخابرات والمواصلات الليكودي يسرائيل كاتس بزيارة أخرى لمسقط.
وقد أشار كاتس إلى أن زيارته لمسقط تهدف إلى تحقيق هدفين أساسيين، وهما: تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون المشترك مع عمان في العديد من المجالات، إلى جانب تسويق خطته الهادفة إلى تدشين خطة سكة حديد تربط (إسرائيل) بدول الخليج، وهي الخطة التي سيعرضها أمام مؤتمر نقل عالمي تحتضنه مسقط.
ونظرا لأن كاتس كوزير للاستخبارات يمثل حلقة الوصل بين أجهزة الاستخبارات في (تل أبيب) وحكومة نتنياهو؛ وإذا أخذنا بعين الاعتبار الدور الحاسم الذي لعبه رئيس جهاز الموساد في ترتيب زيارة نتنياهو لمسقط ولقائه قبل 8 أشهر بوزير الخارجية العماني يوسف بن علوي في ميونيخ، فإنه يمكن الافتراض أن زيارة كاتس ستتناول أوجه التعاون الإستراتيجي والاستخباري بين عمان و(إسرائيل).
وبالنسبة لـ(إسرائيل)، يكتسب التعاون مع عمان أهمية كبيرة بسبب موقعها الجيوإستراتيجي، لتحكمها في منافذ الخليج العربي ومضيق "هرمز"، وهو ما يمكن مسقط من التأثير على ما يجري في إيران والخليج بشكل كبير.
ونظرا لأن نتنياهو يرى في التحدي الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني التهديد الوجودي الوحيد الذي تتعرض له (إسرائيل) حاليا، فإن مراكمة وتطوير علاقات مع الدول التي بإمكانها أن تؤثر على مصالح إيران تكتسب أهمية كبيرة.
وبغض النظر عن زيارة نتنياهو وكاتس لمسقط، حرصت (إسرائيل) دائما على تعزيز التعاون مع الدول والكيانات المتاخمة لإيران بهدف تحسين قدرتها على جمع المعلومات الاستخبارية عنها، أو توظيف هذا التعاون في ممارسة الضغوط على طهران، وهذا السبب وراء حرص (تل أبيب) على تطوير العلاقة مع أذربيجان، وإقليم كردستان شمال العراق.
وعلى الرغم من أن فرص تحقق هذا السيناريو ضئيلة، فإن هناك في (إسرائيل) من لا يستبعد أن تعمد (إسرائيل) إلى فحص إمكانية التوصل لصفقة مع إيران تلتزم الأخيرة بموجبها بالتخلي عن طموحاتها النووية مقابل تخلي (تل أبيب) عن نظرتها العدائية إزاء طهران، وذلك من خلال استغلال قناة الاتصال التي تربط مسقط بطهران.
ومما يسوغ رهانات (إسرائيل) على عوائد العلاقة مع عمان حقيقة أن جذور التعاون الاستخباري والأمني بين عمان و(إسرائيل) قديمة، وتكاد لم تنقطع منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي.
فقد تزامنت زيارة كاتس لمسقط مع نشر صحيفة "هارتنس" في عددها الصادر الاثنين الماضي مقالا للبرفسور إيلي فودا، أحد كبار المستشرقين في (إسرائيل) تتبع فيه مراحل تطور التعاون الأمني والاستخباري بين عمان و(إسرائيل).
فقد أشار فودا إلى أن هذا التعاون بدأ في العام 1970 مع صعود السلطان قابوس للحكم، منوها إلى أن (إسرائيل) قدمت للسلطنة في ذلك الوقت مساعدات أمنية لمواجهة التمرد الذي تفجر في وجه قابوس في ولاية "ظفار"، جنوب عمان، مرجحا أن المساعدات الإسرائيلية شملت تقديم استشارات وتدريب وإمدادات سلاح، حيث أشار إلى أن كلا من بريطانيا وإيران الشاه تولتا تقديم الدعم الرئيس لمسقط في ذلك الوقت.
ويوضح فودا أن (إسرائيل) عمدت منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي إلى تكليف نائب رئيس الموساد في ذلك الوقت نحيك نفوت بالتواصل مع كبار المسؤولين العمانيين لبحث تطوير المصالح المشتركة بين الجانبين، إلى جانب بحث آليات مواجهة تأثيرات انتشار السلاح السوفياتي في المنطقة ونظام الحكم الجديد في طهران بعد عودة الخميني.
وقد أشارت وثائق "ويكليكس" إلى أن التعاون الاستخباري والأمني بين (إسرائيل) من جهة وعمان قد تعزز في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
إلى جانب ذلك، تمثل مواقف عمان المعتدلة تاريخيا تجاه (تل أبيب) عاملا إضافيا يستدعي هذا القدر من الرهان الإسرائيلي على تطوير العلاقة معها، حيث أن عمان أيدت اتفاقية "كامب ديفيد" التي وقعتها مصر مع (إسرائيل) عام 1978، فكانت إحدى ثلاث دول رفضت قطع العلاقات مع مصر في أعقاب التوقيع على اتفاقية "كامب ديفيد".
في الوقت ذاته، فإن نمط السياسة الخارجية "المستقل" عن مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، الذي اختطته عمان، مثل مسوغا إضافيا يدعو (تل أبيب) لاستنفاذ الطاقة الكامنة في العلاقة معها.
إلى جانب ذلك، تأمل (إسرائيل) في أن تسفر الزيارة عن التوافق على تدشين عدد من المشاريع الاقتصادية ذات الطابع الإقليمي، مثل تدشين خطة سكة حديدية تربط (إسرائيل) بالخليج العربي، وهو ما يعتبره كاتس مشروع حياته الرئيس.
ويأمل كاتس أن يسهم هذا المشروع في تعزيز مكانة (إسرائيل) الإقليمية ويعزز واقعها الاقتصادي، خاصة أن تقديرات (تل أبيب) الأولية تفيد بأن حجم التبادل التجاري عبر (إسرائيل) بعد تدشين الخط سيقفز إلى 25 مليار دولار في العام.
ومما يشجع (إسرائيل) على الاستعانة بخدمات عمان في تسويق مثل هذا المشروع حقيقة أنه سبق لكل من (تل أبيب) ومسقط أن تعاونتا في مجال تطوير مشاريع "تحلية المياه"، حيث احتضنت مسقط عام 1997 مركز " Middle East Desalination Research Center، MEDRC "، والذي ساعد عمان على مواجهة نقص مياه الشرب عبر الاستعانة بالخبرات والتقنيات الإسرائيلية.
ومن المفارقة، أنه في حال كتب لمشروع خطة سكة الحديد الإقليمي الذي يروج له كاتس أن يرى النور، فإنه سيمثل كارثة اقتصادية وإستراتيجية لمصر، حيث سيفضي إلى تقليص الحاجة إلى استخدام قناة السويس كممر للتجارة عبر البحار، مما يسهم في إحداث تراجع على الواقع الاقتصادي في مصر، ناهيك عن أنه سيمس بمكانتها الجيوإستراتيجية.