قائمة الموقع

مكتوب: غزة بعد جولة التصعيد الأخيرة: حرب شاملة أم تهدئة؟

2018-11-20T09:53:37+02:00
الجولة الأخيرة ستمهد لاندلاع مواجهة شاملة مع المقاومة
د.صالح النعامي

نتائج جولة المواجهة القصيرة التي اندلعت الأسبوع الماضي وتواصلت على مدى 48 ساعة بين المقاومة الفلسطينية في غزة و(إسرائيل) ستؤثر بشكل كبير على مستقبل الأوضاع في القطاع والعلاقة بين غزة و(تل أبيب).

فعند محاولة استجلاء نتائج هذه المواجهة، التي تعد، رغم قصرها، الأعنف منذ انتهاء حرب 2014، يبدو للوهلة الأولى أنه يمكن الولوج إلى استنتاجات متضاربة بشأن تأثيرها على مستقبل الواقع السياسي والأمني والاقتصادي في قطاع غزة، حيث أنها يمكن أن تسهم في تحسين فرص انجاز مسار تهدئة، يفضي إلى انهاء حالة الحصار المفروض على غزة، أو على الأقل تحسين الظروف الاقتصادية في القطاع بشكل جذري. وفي الوقت ذاته، فإن بعض تداعيات هذه المواجهة يمكن أن تمهد الطريق تحديدا لاندلاع مواجهة شاملة بين المقاومة و(إسرائيل).

فالذي يستنتج أن هذه المواجهة ستحسن فرص التوصل لمسار تهدئة طويل وثابت بين (إسرائيل) والمقاومة قد يُعزى ذلك إلى أن السلوك الإسرائيلي خلالها دلل على أن (تل أبيب) غير معنية بالتصعيد، حيث ردت (إسرائيل) بشكل محدود نسبيا على تجرؤ المقاومة على السير خطوة إضافية في سعيها لتغيير قواعد الاشتباك عبر قصف العمق الداخلي الإسرائيلي بصواريخ ذات قدرة تدميرية كبيرة مقارنة بالجولات الماضية.

وفي الواقع، إن النخب الحكم الإسرائيلية الأكثر قربا من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد أعادت للأذهان أثناء المواجهة التذكير بالعوامل التي تدفع الأخير إلى تجنب الانجرار إلى مواجهة شاملة مع حركة حماس.

 فحسب هؤلاء، يمكن لأي حرب شاملة تشنها (إسرائيل) على غزة أن تنتهي إلى نفس النتائج التي انتهت إليها حرب 2014؛ على اعتبار أن (إسرائيل) ستظل تواجه تداعيات المعضلة الإنسانية في القطاع، مع كل ما ستتحمله (تل أبيب) من خسائر بشرية ومادية وسياسية.

 إلى جانب ذلك، فإن الذي يرفضون الانجرار لمواجهة شاملة يشيرون إلى أنه لا يوجد هناك طرف ثالث يمكن أن يتولى مقاليد الأمور في القطاع في حال عمدت (تل أبيب) إلى إسقاط حكم حماس بعد تنفيذ حرب برية في عمق القطاع؛ مع إيضاحهم أنه ليس في حكم الوارد التورط بإعادة احتلال القطاع بسبب ما ينطوي عليه الأمر من مخاطر إستراتيجية.

إلى جانب ذلك، فإن أولئك الذين يدافعون عن قرار نتنياهو الموافقة على وقف إطلاق النار يرون أن التهدئة مع حماس استحقاق تفرضه متطلبات مواجهة التحديات الكبيرة على الجبهات الأخرى، سيما الشمالية، والحاجة إلى تجنب أي مسار يمكن أن يؤثر سلبا على نجاح موجة العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية على إيران بهدف إجبارها على الموافقة على إعادة التفاوض على مستقبل برنامجها النووي.

لكن، رغم كل ما تقدم، فإن هناك ما يدفع للاعتقاد أن الجولة الأخيرة ستمهد لاندلاع مواجهة شاملة مع المقاومة في قطاع غزة، على الرغم من كل المسوغات الإستراتيجية التي ساقها المقربون من نتنياهو لتبرير الموافقة على وقف إطلاق النار مع المقاومة.

إن أكثر العوامل التي قد تسهم في تجنب (إسرائيل) العودة لمسار التهدئة وتدفعها للاستعداد لشن حرب شاملة على القطاع يتمثل في حقيقة أن الجولة الأخيرة، رغم محدوديتها، قد تركت آثارا عميقة على الرأي العام الإسرائيلي، الذي رأى في نتائجها خنوعا لحركة حماس.

فقد تجاوزت ردة الفعل الجماهيرية الغاضبة على نتائج الجولة الأخيرة ردها على نتائج حرب 2006، التي وصفت في حينها بأنها حرب فاشلة، حيث أنه لم يحدث منذ حرب 73، أن انطلقت مظاهرات عفوية احتجاجا على نتائج مواجهة أو حرب مع طرف عربي، كما حدث في المواجهة الأخيرة.

 ومما يزيد من خطورة دلالات ردة الفعل الجماهيرية حقيقة أنها تركزت في المناطق التي تحتضن قواعد اليمين والليكود على وجه الخصوص، في سديروت، ونتيفوت، وأوفاكيم وغيرها.

إلى جانب ذلك، فإن استقالة وزير الحرب أفيغدور ليبرمان احتجاجا على ما اعتبره "الخضوع الإسرائيلي للإرهاب"، ستقلص من هامش المناورة أمام نتنياهو داخل الائتلاف الحاكم وستزيد من الضغوط عليه لاستعادة الردع في مواجهة حماس من خلال شن حملة واسعة على القطاع.

في الوقت ذاته، فإن كلا من المعارضة "اليسارية" ومعظم النخب العسكرية في الاحتياط ووسائل الإعلام تحرص على عرض نتيجة الجولة الأخيرة من المواجهة كخنوع لحماس، وهو ما يضعف موقف نتنياهو ويدفعه لإعادة تقييم موقفه من أنماط التعاطي مع التحدي الذي تمثله غزة.

وهناك ما يدلل على أن نتنياهو بات لا يأخذ فقط هذه الانتقادات بالاعتبار، بل ألمح بعد انتهاء الجولة الأخيرة بأن لديه نية لشن حملة كبيرة على القطاع، على الرغم من المسوغات التي ساقها حتى الآن لتبرير عدم الإقدام على هذه الحملة.

وقد نقلت "هارتس" في عددها الصادر أول أمس عن نتنياهو قوله: "لا يمكنني أن أقدم إيضاحات حول مخططاتنا للمستقبل، لكننا سنختار الظروف والتوقيت المناسب للعمل الملائم لأمن (إسرائيل). ومما يعزز الاعتقاد بأن (إسرائيل) ستتجه إلى شن عمل عسكري واسع ما قاله الوزير يوآف غالانت، عضو المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن، أثناء مقابلة مع قناة التلفزة الثانية: "قد نصل في النهاية لمواجهة شاملة لكن وفق الظروف التي نحددها نحن وليس وفق الظروف التي تحددها حماس".

ومن الواضح انه في حال عمدت (إسرائيل) لشن حملة عسكرية فليس بالضرورة أن تفضي إلى إعادة احتلال القطاع؛ بل يمكن أن تأخذ شكل توجيه ضربات جوية متلاحقة على مدى زمني طويل، وتنفيذ عمليات اغتيال واسعة، مع تنفيذ عمليات توغل محدودة، كما يدعو لذلك وزير التعليم نفتالي بنات.

وليس من المستبعد أن تعمد (إسرائيل) إلى اصطياد هدف ثمين لحماس في الخارج، وعلى وجه الخصوص صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، الذي تتهمه (إسرائيل) بالاشراف على توجيه العمليات ضدها في الضفة الغربية.

الذي يدفع للاعتقاد أن هذا مسار التحرك الإسرائيلي حقيقة أن الولايات المتحدة قد وضعت العاروري على قائمة الإرهاب وخصصت 5 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات حوله.

وعلينا أن نتذكر أن كل الشخصيات التي قامت (إسرائيل) باغتيالهم من حزب الله تم الأمر بعد وضع الولايات المتحدة أسماءهم ضمن قوائم الإرهابيين لديها.

وبغض النظر عما إذا كان سيناريو العمل العسكري سيتحقق أم لا، فإنه من شبه المؤكد أن نتائج المواجهة الأخيرة ستؤثر سلبا على الجهود الهادفة لتحقيق التهدئة.

ومما يفاقم الأمور تعقيدا حقيقة أن تعذر التوصل لاتفاق مصالحة داخلية يسمح بعودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع سيقلص من فرص نجاح الجهود الهادفة للتوافق على مسار تهدئة يفضي إلى تحسن الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في القطاع، دون أن تكون حماس في صورة المشهد.

فمن المستبعد أن تسمح (إسرائيل) بعد هذه الجولة بتسهيلات جوهرية للقطاع، على اعتبار أن الرأي العام الإسرائيلي سيفسر ذلك على أنه "مكافأة" لحماس. وإذا سمحت (تل أبيب) بمثل هذه التسهيلات فقد يكون الأمر مرتبطا بخديعة تهدف إلى دفع المقاومة للتراخي من أجل تحسين قدرة (إسرائيل) على توجيه ضربة موجعة لها.

اخبار ذات صلة