رغم مرور 14 عامًا على اغتيال الراحل ياسر عرفات، وبقاء سر اغتياله لغزًا محيرًا، إلا أن إشارات تورط مسؤولي السلطة الحاليين وعلى رأسهم محمود عباس في تصفية عرفات قائمة على الأقل فيما يتعلق بتصفيته سياسيا، كما يقول مقربون من عرفات.
مستشار الرئيس الراحل بسام أبو شريف، كان واحدًا ممن اتهموا فتح وقيادتها بتهيئة البيئة لاغتيال عرفات من خلال مساهمتها في عزل الرجل سياسيا.
أمّا فصول المؤامرة فبدأت منذ قدوم عباس وما سمي آنذاك بـ"فريق عمارة العار"، في إشارة إلى فريق رئيس السلطة محمود عباس في مقدمتهم عزام الأحمد، والكلام هنا لحسن عصفور الوزير السابق ومنسق دائرة المفاوضات سابقا بمنظمة التحرير.
عصفور قال لـ"الرسالة" إنّ عباس الذي بدأ بالمزايدة على الراحل أبو عمار من خلال حديثه أنه "لن يتنازل عن القدس، وهو من هوّد حائط البراق بحكم موقعه مسؤولا عن دائرة شؤون المفاوضات آنذاك، مع العلم أن عرفات رفض مجرد التنازل عن الجزء السفلي من حائط البراق".
وأشار الى أن محمود عباس كان جزءاً من مؤامرة استبدال عرفات، "فبعد شهرين فقط تم فرضه رئيسا للوزراء، وقد حاولنا بكل جهدنا معارضة هذه الخطوة، غير أن أبو عمار لم يستطع مقاومة هذه الضغوط".
عصفور: عباس تآمر مع فريقه على عرفات في "بناية العار"
وبيّن أنه تم تسمية بعض الاسماء التي هددت لاحقًا واضطرت لسحب ترشيحها، فيما بدأ عباس عمليا بتشكيل فريق داخل "بناية العار" التي اجتمع فيها ببعض مريديه ومنهم عزام الاحمد، وكان من في هذه البناية يتآمرون على عرفات.
وأضاف: "كل هذه الشواهد كافية ليفهم الشعب الفلسطيني من هو محمود عباس"، مشيرا إلى أن عباس رفض مقترحا من اولمرت باستئناف المفاوضات مقابل منحه 94% من الضفة وبعض الاحياء في القدس العربية؛ لكنه رفض بعد اتصال من كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الإميركية آنذاك، وقال إن امريكا مصممة على حل يتطابق مع الرؤية التوراتية.
اغتيال سياسي
بالعودة إلى بسام أبو شريف الذي عمل مستشارا لعرفات قال إنّ عرفات أسرّ إليه قبل وفاته بأيام "خانوني يا بسام خانوني، دخلولي من مطبخي ولم يعد رجال حولي".
ولفت إلى أنه نبه عرفات في تقرير له بوجود مخطط لدسم السم له، وعممه أبو عمار على كوادره القيادية والأمنية، مستدركا بالقول" قيادة السلطة تجاهلت ندائي وأقنعت عرفات بعدم جدواه، ولم تكلف نفسها بزيادة الاحتياطات الأمنية له".
وذكر أن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك كان يدرك أن عرفات قد تعرض للسم، و"كذلك قيادات في السلطة" وجمعيهم تجاهلوا ذلك، ورفضوا تشريح جثمانه، وبعد سبع سنوات ذهبوا لتشريح الجثمان، وحاولوا تحريف مسار التحقيق ولهذه اللحظة لم يفصحوا عن النتائج".
أبو شريف: فتح هيأت البيئة السياسية لتصفية عرفات
وبين أن السم الذي استخدم لاغتيال عرفات لا تستخدمه سوى (إسرائيل)، وفقًا لتقديرات خبير السموم الجنائية في لندن، مشيرا إلى أن أنظمة عربية ساهمت في توفير الغطاء للتخلص من عرفات.
وأضاف أبو شريف:" التآمر السياسي على عرفات وعزله فتحاويا في المقام الأول، صنع أجواء وفرت لـ(إسرائيل) فرصة للقضاء على ياسر عرفات والعمل على اغتياله"، متابعا: "لولا التآمر عليه وعزله واحاطته من الفريق المحيط به، لما تجرأت الأطراف الأخرى على العمل للتخلص منه تماما، وثمة من ساعد (إسرائيل) في اختيار اللحظة لتنفيذ فعلتها".
وأشار إلى أن إخفاء السلطة لاسم الفاعل، "يعني أن هناك اشخاصا ستكشف أسماؤهم، ولذلك فضلوا الصمت عن إعلان اسم القاتل".
وبحسب أبو شريف فإن عرفات لم يخف يوما على القضية، لكنه دائما كان حزينا من فريق يشتكي دوما من خيانته، ودائما كان يردد "دول بخونوني.. فش رجال.. المال عامي نظرهم".
ومضى أبو شريف يتساءل:" من باع الوطن وحرم الناس لقمة عيشهم وقطع رواتبهم ومخصصاتهم، ألا يبيع ياسر عرفات؟".
وأكدّ أن الخط الأحمر الذي رسمه ياسر عرفات متمثلا بثوابت القضية الفلسطينية وصونها وحماية أبناء شعبه، "تعداه البعض وداس عليه"، في إشارة لمن تقلد أمور فتح بعد عرفات.
وقال أبو شريف: "يتشدقون بأنهم ملتزمون بنهج عرفات، لكنهم في الحقيقة خانوه وخانوا ثوابته، وأصبح بالنسبة إليهم كقميص عثمان".
وأشار الى مناقب عرفات بأنه "كان رجلا كريما شجاعا يعطي الناس ويرق قبله لهم، ليس كمن يمنعهم اليوم ويحرمهم من حقوقهم، ويمنع مخصصات الأسرى والشهداء"، في إشارة الى إجراءات رئيس السلطة محمود عباس.
وذكر أن الراحل عرفات كان يتصل على الرؤساء العرب ويحثهم على دفع مستحقاتهم لصندوق المنظمة، وكان في بعض الأحيان يغضب ويقول لهم:" الله يلعن السؤال.. أنا اطلب منكم لشعبي انا لا اشحذ، فهذه ضريبة قضيتكم".
وأكدّ أن الخشية الكبرى تتمثل في تساوق بعض الساسة الفلسطينيين الذين خلفوا ياسر عرفات في صناعة القرار، مع مشاريع سياسية رفضها الراحل ودفع دمه ثمنا لها، ومن أهمها ما بات يعرف بـ"صفقة القرن".
وأشار إلى أن "المال الذي بيع بسببه ياسر عرفات، قد تباع فيه القضية".
وثائق للتآمر على عرفات
وكشف بسام أبو شريف مستشار الرئيس الراحل ياسر عرفات، وللمرة الأولى عن محضر اجتماع عقد بين رئيس وزراء الاحتلال الأسبق ارئيل شارون مع كل من رئيس السلطة محمود عباس الذي تولى رئاسة الوزراء آنذاك ومحمد دحلان مستشار عباس للأمن القومي حينها.
وقال أبو شريف إنّ شارون عندما قرر اغتيال عرفات بدأ البحث عن قيادة بديلة للتفاوض والاتفاق معها، فشرع بالاتصال على عباس ودحلان وآخرين، "ولدي محضر لإحدى هذه الجلسات سأنشره قريبًا في كتاب سيصدر عني".
وذكر أن شارون قال وفق محضر الاجتماع "لا بد من التخلص من عرفات، فكان جواب عباس أنه لا داعي لهذه الطريقة؛ لكن يجب إعطاءنا وقتًا لنزع صلاحيات عرفات الأمنية والمالية والسياسية".
وأضاف أبو شريف أن شارون رد على عباس، أنه "لو نزعتم كل صلاحيات عرفات، فطالما بقي حيا سيكون صاحب القرار الإرهابي وهو رأس الارهاب، وهو من يعطي الموافقة على عمليات حماس، لذا يجب التخلص منه، فيما التزم عباس الصمت".
وأشار أبو شريف إلى أن شارون أعلن بشكل واضح رغبته في تصفية عرفات وتشكيل قيادة بديلة، ووعد أنه سيبدأ بالتفاوض مع هذه القيادة وتقديم تنازلات مؤلمة في حال توقفت العمليات، "ومن هنا بدأ عباس بالتنسيق الأمني لمنع العمليات استجابة لوعد شارون".
وردًا على سؤال "للرسالة"، حول إن كان يخشى من ملاحقة عباس في حال صدر الكتاب الذي سيحمل عنوان "الإرهاب متجذر في الصهيونية فكرة وحركة ودولة"، أجاب: " أتمتع باحترام الناس وغير مهتم برأي محمود عباس، الذي أتمنى أن يكون قد اكتشف الأخطاء التي أوقع بها السلطة الفلسطينية، وما جره على شعبنا خلال العقد الأخير".