ماجستير تنمية اقتصادية
" محمد" شاب عشريني يحمل درجة البكالوريوس في التربية استفاد من مشاريع التشغيل المؤقت 3 مرات خلال 10 سنوات اجمالي المبلغ الذي حصل عليه "محمد" من هذه المشاريع قرابة 5000 دولار.
المبالغ التي استلمها محمد انتهى أثرها فعليا بالنسبة له وذهبت أدراج الرياح ضمن المصاريف اليومية دون الاستفادة الحقيقية منها في حين يبحث الآن على جهة لتقرضه 4000 دولار لفتح مركز تعليمي، ليتغلب على البطالة التي ما زال يعيشها.
هذه القصة تختصر حكاية التشغيل المؤقت، اذ يعاني الاقتصاد الفلسطيني عامة والغزي خاصة من حالة التدهور التي قد تصل إلى مرحلة الانهيار، وإزاء ذلك كله يحاول القائمون على شؤون البلاد الحد من هذا التدهور لتجنب الوصول إلى الانهيار الكلي، فكانت مشاريع التشغيل المؤقت للتخفيف من وطأة هذا الانهيار، في وقت بلغت فيه نسبة البطالة في القطاع إلى حوالي 54%.
صحيح أنه يمكن لهذه المشاريع أن تعمل مفعول "إبرة التخدير" بحيث تؤجل وقوع الكارثة وتسكْن الألم النازف قليلاً؛ من خلال زيادة الطلب الفعال على السلع والخدمات، والتخفيف ولو شكلياً من ظاهرة التعطل الكلي عن العمل الذي يعاني منه الخريجون حالياً، إلا أنها تصطدم بحقيقة كونها لا تحرك الإنتاجية الفعلية المطلوبة لدوران حركة الاقتصاد.
وتحمل هذه المشاريع شكل الإغاثة العاجلة والمساعدة لا التنمية الحقيقية، وقصة محمد أبرز شاهد على ذلك، علماً أن اقتصادنا يحتاج مشاريع تنموية تأخذ بيده نحو التقدم وعدم الانهيار. منذ 12 عاما (مدة الحصار المفروض على غزة)، بلغت قيمة الأموال التي دفعت على مشاريع التشغيل المؤقت نحو 100 مليون دولار كحد أدنى في ظل عدم توفر إحصائية دقيقة لدى الجهات المختصة.
ونلاحظ تلاشي أثر هذه المبالغ المدفوعة لهذا التشغيل حال انتهائها، لكن لو تم استغلال هذه المبالغ أو جزء منها في دعم المشروعات الصغيرة، لربما كان العائد على الاقتصاد أفضل، حيث إن إنشاء مشروع من شأنه المساهمة في حل مشاكل البطالة على المستوى البعيد ولو جزئياً بشكل حقيقي. كذلك يعمل على تحريك عجلة الاقتصاد من خلال زيادة الإنتاجية والابتكار، وتعزيز روح التنافسية لدى رواد هذه المشاريع.
والاتجاه نحو المشاريع الصغيرة لا يعني انتفاء الحاجة إلى مشاريع تشغيل مؤقت، لأن اقتصادنا بحاجة إلى إنعاش وتنمية في نفس الوقت، فالطبيب في غرفة العمليات لا يمكنه الاستغناء عن "إبرة التخدير" كما أن الإبرة لوحدها لا تنقذ حياة المريض، إلا أنها دعوة إلى النظر بعين التوازن بين الإغاثة، والتنمية، والتفكير جدياً بدعم المشاريع الصغيرة؛ لما لها من الأثر الكبير في تحريك عجلة الاقتصاد في المنظور البعيد.
"من الجميل أن تعطني سمكة ولكن الأجمل أن تأخذ بيدي كي اصطاد".