تتقدم مباحثات التهدئة التي تجري بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية بخطوات ثابتة، نتيجة رغبة جميع الأطراف وأهمها الاحتلال في تهدئة الجبهة الجنوبية ومنع انفجار قطاع غزة. لكن هذه الخطوات ما تزال متثاقلة لعدة أسباب، أبرزها أن كل خطوة تمهد لما قبلها وتجعل فرصة العودة للوراء صعبة، كما أنها تحمل الكثير من المخاطر على الاحتلال وفصائل المقاومة في الوقت ذاته.
وهناك أنباء عن بدء المرحلة الثانية من التفاهمات مطلع الشهر المقبل وتشمل عدة نقاط منها استمرار إدخال الأموال القطرية إلى قطاع غزة لدفع رواتب موظفي غزة والتشغيل المؤقت والمساعدات النقدية لـ50 ألف أسرة جديدة.
كذلك ستشمل التحسينات الجديدة في المرحلة الثانية زيادة كمية الكهرباء الواردة للقطاع من دولة الاحتلال عبر "خط 161"، وزيادة مساحة الصيد إلى20 ميلاً بحرياً، إضافة إلى البدء في مشاريع البنية التحتية في قطاع غزة بدعم دولي عبر الأمم المتحدة، إلا أنها تبقى خطوات تحسينية ولا تنهي الأزمة القائمة في القطاع جذرياً.
التفاهمات التي لم تتراجع نتيجة جولة التصعيد الأخيرة قبل أسبوعين، تعكس الرغبة الحقيقية لكل الأطراف في تهدئة الأوضاع في غزة وإن كان لكل منها دوافع مختلفة.
وأنهى وفد رفيع من حركة حماس زيارته القاهرة لمناقشة عدة ملفات على رأسها ملف التفاهمات وتثبيت وقف إطلاق النار، حيث تشير الأنباء إلى أن ملف وقف إطلاق النار كان الأكثر إيجابية في اللقاءات، بحسب مصدر حمساوي تحدث لـ"الأخبار"، ما يؤكد الإصرار على تمرير هذا الملف برغبة من جميع الأطراف "الاحتلال-فصائل المقاومة-قطر-مصر-الأمم المتحدة".
ولكل طرف دوافعه وأهدافه المختلفة من العمل في ملف تثبيت وقف إطلاق النار، ويمكن تفصيلها هنا:
(إسرائيل): ترغب في وقف التدهور الحاصل على الجبهة الجنوبية خاصة منذ شهر مارس الماضي الذي شهد انطلاق مسيرات العودة وكسر الحصار، حيث خلقت حالة ارباك كبير لدى الاحتلال خاصة أنها مسيرات سلمية وشعبية استطاعت كسر المعادلة الصفرية في غزة "اما حرب أو هدوء، وبالتالي حيدت ترسانة الاحتلال العسكرية وخلقت حالة اشتباك مستمرة معه في غزة.
وتسبب الحالة المتفجرة في غزة أزمة بالنسبة للاحتلال ضمن تخوفاته من محاولات التسلل نحو بلدات غلاف غزة أو الاقتحام الجماعي من أهالي القطاع نحو تلك البلدات وهي من أكثر مخاوف الاحتلال.
كما أن الأزمة على الحدود الشمالية تتعمق وتتفاقم يومياً ما يدفعه نحو تهدئة جبهة الجنوب للتفرغ لها.
المقاومة الفلسطينية: تسعى من خلال التفاهمات إلى رفع الحصار عن قطاع غزة وهي ترى أنها أمام فرصة تاريخية يجب استثمارها والضغط بكل قوة لتحقيق هذا الهدف بعد اثني عشر عاما من الضغط الاقتصادي والاجتماعي في غزة، حيث شكلت مسيرات العودة رافعة قوية وورقة قوة لن تسمح بأن تخسرها أو تتوقف دون تحقيق أهدافها.
مصر: تتقدم الوساطة المصرية باقي الوساطات كونها الطرف الأكثر تماسا بالملف الفلسطيني وخاصة في غزة التي تربطها بها مصالح جغرافية وأمنية عميقة، حيث ترغب مصر في إعادة دورها الإقليمي والريادي في المنطقة، وهو الدور الذي خسرته بابتعادها عن الورقة الفلسطينية.
كما تسعى لأن تبقى متفردة على حد كبير بهذا الملف بعدما تقدمت عليها دول أخرى سابقاً مثل قطر وتركيا أحيانا، وهي دول مناكفة لها وتسود علاقاتها معها القطيعة والعداء.
ومن ناحية أخرى ترغب مصر في إعادة السلطة الفلسطينية للقطاع، والدفع بقوة اتجاه المصالحة وهي تدرك أن المصالحة لن تتم في ظل حالة الغليان والضغط على القطاع، فهي معنية بتثبيت التفاهمات ومن ثم الانطلاق نحو المصالحة.
قطر: تقول صحيفة "معاريف" العبرية أن قطر جمعت بضع نقاط في تفاهمات تثبيت وقف اطلاق النار لصالح حماس وللرأي العام، وهي الدولة العربية الوحيدة التي تدعم قطاع غزة في أسوأ لحظاته"، ربما يفسر ذلك الدعم السخي من قطر لغزة في السابق وحالياً فقد ظهرت وكأنها الوحيدة التي تقف إلى جانب أهالي غزة في ظل الحصار والأزمات التي يعانون منها، كما أنها تحقق مكاسب سياسية ورصيداً إضافياً في المنطقة من خلال دورها في القطاع على مدار سنوات، فبقدر ما جلب لها هذا الدور انتقادات إلا أنه منحها ورقة تفوق وقوة، دفعت مصر للدخول وقطع الطريق عليها وقيادة المباحثات.
الأمم المتحدة: يتمحور دورها في منع الانفجار والتدهور في غزة، وهي تعكس رغبة المجتمع الدولي وتحديداً الإدارة الأمريكية في حل أزمة ومعضلة قطاع غزة، بعدما اتضح أن حصار أكثر من عقد كانت نتائجه عكسية، كما يلعب ميلادينوف ممثل الأمم المتحدة دوراً مهماً بضوء أخضر أميركي الهدف منه حل الأزمة الإنسانية في القطاع، لكن على المدى البعيد هناك رغبة لحل سياسي ما زالت ملامحه غامضة، وربما مهد الطريق ليكون دور الأمم المتحدة أكبر في إدارة شؤون غزة بسبب تعثر المصالحة وعودة السلطة.