ماجستير تنمية اقتصادية
"إعلان تهنئة" لشركة الاتصالات الفلسطينية "جوال" في إحدى الصحف المحلية أحدث تفاعلاً على ساحات التواصل، ووضعنا أمام حالة إعلانية فريدة وغير مسبوقة في السوق الفلسطيني بين كبرى الشركات العاملة.
كان الإعلان موجّها من "جوال" إلى شركة "الوطنية موبايل" بمناسبة توحيد علامتها التجارية مع الشركة الأُمّ "ooredoo"، وهي شركة اتصالات عالمية رائدة، تعدّ المزود الأول لخدمات الاتصالات في قطر، وتعمل في أسواق عالمية. وقد تجاوزت قاعدة عملائها الموحدة في العالم عام 2017 حاجز 163 مليون عميل، ودشنت علامتها التجارية رسميا في فلسطين هذا العام.
وبرغم أن فكرة تهنئة المنافس كان مرحّبا بها، إلا أن نص الإعلان كان حمّال أوجه، وأظهر أنياب الخصومة التي برزت في وصف جوال أوريدو بأنها "شركة قطرية"، أي أنها لا تنتمي للوطن، بتفسير أحدهم، قبل أن تردّ الأخيرة بأنها "شركة فلسطينية وتتمنى لجوال بأن تصل إلى العالمية"، أو بعبارة أخرى "اعرفي حجمك"، بتعليق أحد آخر.
هذا الجوّ من المنافسة تزامن مع تعطّش المواطن الفلسطيني، خصوصاً في غزة، لكسر احتكار امتد لعشرين عامًا لسوق الاتصالات الخلوية، كان من أهمّ أسبابه سياسية "عقود الامتياز" التي انتهجتها السلطة الفلسطينية مع إنشاءها، والتي تعطي الشركات حق "الحصري والاحتكار التام"، لتصبح متصرفة في السوق حيث شاءت في إطار منتجها، فتعطي السعر والجودة الذي يناسب مزاجها، دون رقيب عليها أو منافس يدفعها إلى تحسين خدمتها وتخفيض أسعارها.
والمواطن مرغم على الموافقة على سعر الخدمة ومستوى جودتها؛ لعدم توفر البديل، وبهذا تصبح "عقود الامتياز" المعطاة لهذه الشركات أشبه بـ "عقد إذعان" للمواطن.
ودائماً ما تسعى الحكومات والدول إلى توفير بيئة تسمح بإحداث حالة المنافسة الدائمة في السوق، التي تعني وجود عدد من الشركات تتنافس في إنتاج السلع والخدمات، وتمنح المواطن أفضل سعر وأقل تكلفة، وتجعله سيد نفسه أو على الأقل لا يشعر بالعبودية.
هذه المنافسة بدأت تظهر في سوق اتصالات غزة من خلال عروض "اللامحدود" التي ملأت هواتف الغزّيين، وما كنا نسمع بها لو لا دخول المنافس، وتسابقه لإرضاء الزبون، بالنظر إلى ما تحمله من امتيازات كان لها الأثر الواضح في التخفيف من فاتورة المصروف الشهري للمواطن، بما معدله 30-50%.
صحيح أن دخول شركة جديدة إلى ميدان الاتصالات لم ينه حالة الاحتكار التام، إلا أنه نقلنا إلى حالة جديدة تسمّى في علم الاقتصاد "احتكار القلة"، أي وجود السلع أو الخدمة بحوزة شركتين أو أكثر.
ولنا أن نتخيل حجم العروض والأسعار التي يمكن أن تُعطى للاتصال الخلوي في حال دخول عدد أكبر من الشركات إلى ميدان المنافسة، بما يضمن الوصول إلى "سوق المنافسة الكاملة". بالطبع ستكون الأمور على أفضل حال، وسيشعر المواطن حينها بالرضى عن الخدمة والسعر المقدم.
ومن المهم أن يعرف المواطن خصوصية سوق الاتصالات في قطاع غزة الذي تغيب عنه منافسة الخلوي الإسرائيلي كما في الضفة؛ وهو ما جعلها أكثر تأثراً بالاحتكار وانعكاساته على الخدمة وسعرها. كما من الضروري أن يعلم أنّ عقود الامتياز لم تمنح لشركة الاتصالات فحسب، إنما لشركات أخرى في عدد من القطاعات مثل "الطاقة والأسمنت والغاز وغيره".
إن نموذج" احتكار القلة "وحجم استفادة المواطن منه، رغم سلبياته باعتباره يبقى احتكاراً، إلا أنه يُعدّ فرصة للحكومة الفلسطينية والمجلس التشريعي لإعادة النظر في عقود الامتياز، وفتح العطاءات لدخول المنافسين إلى جميع القطاعات، واستثمار فرصة انتهاء مدة هذه العقود، فأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي.
نهنئ الوطنية ونشكر جوال.. والبقاء للأفضل