لا يزال مستوطنو مناطق "غلاف غزة" ينتظرون حلا جذريا لفقدان الأمن في مستوطناتهم منذ سنوات طويلة، بعد أن تزايد تعرضهم للخطر في الآونة الأخيرة بفعل تكرار التصعيد مع المقاومة الفلسطينية من جهة، واستمرار مسيرات العودة من جهة أخرى.
وفي تفاصيل المشهد، يستكمل مستوطنو غلاف غزة تظاهراتهم الاحتجاجية المستمرة منذ أسابيع على تدني مستوى الأمن على عكس بقية المدن المحتلة، مرجعين ذلك إلى ضعف تعامل الحكومة مع المقاومة الفلسطينية، وتخوفها من الدخول في مواجهة عسكرية شاملة معها، في مقابل استمرار مسيرات العودة واستخدام القوة العسكرية من المقاومة كلما اقتضت الضرورة.
وتمثل هذه الاحتجاجات جزءاً من فصول الهزيمة التي لحقت بحكومة نتنياهو في مواجهة المقاومة منتصف الشهر الماضي، والتي كان من ضمنها استقالة وزير الحرب أفيغدور ليبرمان، ما أدى إلى تصدع الحكومة بدرجة تهدد بقاءها، عدا عن حالة من الغضب في صفوف المجتمع (الإسرائيلي) على نتيجة التصعيد التي كانت لصالح حركة حماس وفق ما قالت الوسائل الإعلامية (الإسرائيلية).
وحاول المستوطنون في غلاف غزة على مدار الأسابيع الماضية لفت انتباه الحكومة إلى ضرورة توفير الأمن لهم بصورة دائمة من خلال مظاهرات مركزية في مدينة (تل أبيب) وكذلك إغلاق الطريق المؤدي إلى معبر كرم أبو سالم التجاري بين الاحتلال وقطاع غزة، وافتتاح "عيد حانوكا" في سديروت بحضور الرئيس (الإسرائيلي) راؤبين ريفلين، بعد أن صنعوا من بقايا صواريخ القسام شمعدان العيد.
وفي التعقيب على ذلك، يقول المختص في الشؤون (الإسرائيلية) أيمن الرفاتي: إن استمرار المظاهرات في غلاف غزة يهدف للضغط على المستويات السياسية والعسكرية في دولة الاحتلال لإيجاد حل لمعضلتهم الأمنية التي زادت منذ بداية العام الجاري، وأدت لوقوع خسائر اقتصادية كبيرة، بعدما كانت زراعتهم ومحاصيلهم تعتبر من أفضل ما تنتجه دولة الاحتلال.
ويضيف الرفاتي في اتصال هاتفي مع "الرسالة": في هذا الإطار قد يكون هناك دافع سياسي خلف الاحتجاجات التي جرت على حدود قطاع غزة من أطراف في اليمين (الإسرائيلي) وخاصة ليبرمان الذي استقال من الحكومة مؤخراً للضغط على نتنياهو والليكود، ولإفقاده جزءاً من حصته الانتخابية التي تعززت في الانتخابات الأخيرة.
ويشير إلى أنه لا شك أن سكان غلاف غزة شعروا أن الاحتلال هزم في جولة التصعيد الأخير ولم يعد يستطيع حمايتهم من الواقع في قطاع غزة، وهو ما يهدد حياتهم ومصالحهم الاقتصادية بصورة متكررة خلال الفترة المقبلة وهذا الأمر ينعكس على حكومة الاحتلال لا يجاد حل لوقف النزيف الأمني في الجنوب، من خلال فرض معادلة ردع على المقاومة تمنعها من الضغط على سكان غلاف غزة.
وبيّن أنه نظراً لحساسية الأحزاب السياسية في دولة الاحتلال تجاه الجمهور وخاصة في منطقة غلاف غزة فإن الحراك الجاري في الغلاف يأخذ صدى كبيراً لدى المستوى السياسي في دولة الاحتلال؛ وذلك لقرب انتخابات الكنيست، وهو ما يخشى نتنياهو بأن يؤثر على حظوظه في الحصول على مزيد من المقاعد وعجزه عن تشكيل الحكومة المقبلة.
ولم يختلف الباحث في الشؤون العسكرية والإسرائيلية رامي أبو زبيدة مع سابقه بأن ثمَّة استياءٌ واضح لدى مستوطني غلاف غزة تم التعبير عنه من خلال الخروج للشوارع والتظاهر في (تل أبيب). وذكر أن مستوطني غلاف غزة يشعرون أن هناك تمييزا واضحا يجري بحقهم وخصوصا بعد تصريحات وزير التعاون الإقليمي، تساحي هنغبي، والتي بدت تقَدِّم أمْنَ (تل أبيب)، وقلب (إسرائيل)، على أمن مستوطنات غلاف غزة.
ويضيف أبو زبيدة في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن فقدانهم للأمن والشعور الدائم بالاستهداف وأنهم تحت مرمى قصف المقاومة خلق لديهم حالة رعب، ما يؤثر على قدرتهم على الصمود في ظل عجز الحكومة (الإسرائيلية) في الدفاع عنهم وإيقاف تهديد الصواريخ عقب فشل القبة الحديدية في التصدي لها.
ويشير إلى أن عنوان الغضب المشترك (إسرائيليا) هو تآكل ما يسمى قوَّة الردع، وهي اللصيقة بأهم ما يشغَل دولة الاحتلال، وهو الأمن، وأن الصورة النهائية التي خلفتها الجولة الأخيرة من التصعيد مع المقاومة ألحقت ضررا كبيرا بصورة العدو.
وبين أن حماس ظهرت بمظهر النِّدّ، وأنها قادرة على إرباك العدو، وتعطيل الحياة في غلاف غزة فالتأثير بالتالي، حيويّ على الجانب المعنوي والسياحة، والاقتصاد، وعلى صورة (إسرائيل)، بصفة عامة أمام العالم وكذلك مواطنيها.
وفي نهاية المطاف، يبدو أن مستوطني غلاف غزة يتعامون عن الحقيقة التي تؤكد أن أمنهم مرتبط بشكل وثيق بإذعان حكومة الاحتلال للمطالب الإنسانية لقطاع غزة والتي تنادي بها المقاومة الفلسطينية منذ 12 عاما وهي تمثل عمر الحصار على القطاع، ودون ذلك سيبقى غلاف غزة تحت نار المسيرات والتصعيد.