(إسرائيل) توجه المسار نحو الشمال، وتستعرض منظومتها الهندسية الدفاعية أمام إيران وحزب الله على الحدود، بعد أن تعرضت حكومتها لهزة كبيرة على المستويين السياسي والعسكري، بعد استقالة وزير دفاعها (أفيكتور ليبرمان) من منصبه بُعيد فشل العملية الأمنية شرق خانيونس.
التصعيد الكبير الذي تبع العملية تُوج بانتصار المقاومة الفلسطينية عسكرياً بعد أن قصفت غلاف غزة بـــ (460) صاروخا وقذيفة، أصابت معظمها أهدافها بدقة عالية، محدثةً مفاجأة لم يتوقعها الاحتلال في ظل تقديراته غير المتوازنة.
المساعي الحثيثة التي بذلها رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) ركزت في الحفاظ على بقاء حكومته، ومواجهة خصومه السياسيين في المعارضة بعد اتهامه بالفشل والمطالبة بحل الحكومة وعقد انتخابات مبكرة، سيما أنه ما زال يخضع لتحقيقات الشرطة الإسرائيلية في ملفات الفساد الثلاثة وهي: القضية (1000) حول الهدايا والامتيازات لنتنياهو وعائلته، والقضية (2000) الخاصة بالمحادثات بين نتنياهو ومالك يديعوت أحرونوت، والقضية (4000) وتشمل فضيحتي بيزك وموقع واللا.
النشاط الأمني مشروط ببقاء الحكومة
رئيس الوزراء (نتنياهو) يدرك أن الحرب ستزيد من تعقيد موقفه السياسي، كما أن سلوكه السياسي الرافض لمواجهة عسكرية قد يعقد الموقف، خاصةً مع موقف المستوطنين في غلاف غزة الذين اتهموا نتانياهو باتخاذهم دروعا بشرية أمام المقاومة الفلسطينية.
المقامرة السياسية لمستقبل نتانياهو بدأت بعد أن أعلن وزير التعليم ورئيس حزب "البيت اليهودي" نفتالي بنيت، سحب مطالبه من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، ومنحه الفرصة لمواصلة النشاط الأمني، وعدم الانسحاب من الحكومة وتبكير الانتخابات، وفي مؤتمر صحفي لوزير التعليم قال: "لن نستقيل من الحكومة، لقد قرر نتنياهو تولية نفسه منصب وزير الدفاع بهدف إحداث تغيير أمني، إذا كان نتانياهو جاداً بشأن نواياه، فسوف نزيل كل مطالبنا السياسية في هذه اللحظة ونساعده على إعادة الردع إلى (إسرائيل).
مشاورات نتانياهو مع قادة أركان الجيش ووزراء دفاع سابقين اتسعت رقعتها بهدف الوصول إلى تصور عسكري استراتيجي حول وجهة (إسرائيل) المستقبلية والتحديات الراهنة حيث يسعى نتنياهو للحصول على تجارب قادة الجيش السابقين، فعقد مشاورات أمنية وعسكرية مع شاؤول موفاز، وموشي آرنز، وعمير بيرتس، وغابي اشكنازي، وبيني غانتس.
"درع الشمال" صخب إعلامي غير قابل للتصعيد
العملية العسكرية المتاخمة للحدود اللبنانية ضد أنفاق حزب الله، المعروفة باسم "الدرع الشمالي" هي صخب إعلامي، عسكري، سياسي، أمني، الهدف منها لم يكن البدء بتنفيذ عملية عسكرية أو إنذارات ساخنة تجاه الشمال، فالاحتلال لا يبدأ مواجهاته بسيناريوهات تُعرّض حياة جنوده للخطر أمام قوات حزب الله المنتشرة في جنوب لبنان. "الدرع الشمالي" تحمل أبعاداً قد تكون استراتيجية لتحديد ساحة الحرب الحقيقية التي يُعدّها الاحتلال.
كما أن خيار الحرب لا يبدأ بالإعلان عن خطط دفاعية لنسف الجهد الاستخباري لحزب الله، أو الكشف عن أنفاق أرضية يُمكن استخدامها خلال عمليات الحزب داخل العمق الإسرائيلي، أو الإعلان عن تقارير أمنية لشعبة الاستخبارات العسكرية لجيش "الدفاع". فالشواهد التاريخية للاحتلال تعطي دلالات أكثر دقة بالعمل العسكري الذي يقوم به الجيش الإسرائيلي الذي يبدأ بضربة هجومية تستهدف البنية العسكرية الحيوية لتدمير قدرات المقاومة والتحرك بإطار زمني لمواصلة العدوان.
ويعمد الجيش بعد ذلك إلى إنهاء الهجوم بما يتلاءم مع ظروف المعركة التي يحاول الاحتلال حسمها منذ الساعات الأولى.
بالتالي ما يحدث في الشمال هي مناورات دفاعية لقطع الطريق أمام هجوم محتمل لحزب الله، وباعتقادي أن الحزب لديه تصوراً أكثر منطقية عما يحدث داخل الحدود الفلسطينية.
وتعقيباً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بعد اختتام اجتماع الكابينت لتقدير الموقف بشمال فلسطين المحتلة، أعتقد أن الاحتلال لا يزال ينأى بنفسه عن تنفيذ عملية عسكرية في جنوب لبنان، وحزب الله ما زال يكتفي بمتابعة ما يقوم به الجيش على الحدود، وهناك خطوط عريضة يدركها الطرفان، خطورتها أكثر من استهداف (تل أبيب) بصواريخ حزب الله، أو تدمير البنية التحتية لبيروت، وبالتالي يعرف الاحتلال أين يوجه بوصلته بالتحديد.
(إسرائيل) تنتصر على نفسها
التقديرات الإسرائيلية الأمنية والعسكرية والسياسية الفاشلة لا زالت تحظى باهتمام أمريكي كبير، بعد أن تعهدت الإدارة الأمريكية بمواصلة المعركة الدبلوماسية وقطع الطريق أمام أعداء (إسرائيل) في المنطقة، والقرار الدولي المرتقب هو الضوء الأخضر لمواصلة العدوان الإسرائيلي وبقوة، لتحقيق حالة الردع التي تآكلت أمام المقاومة في غزة، استعداداً لمواجهة حزب الله في الشمال.
الاحتلال كانت لديه تأكيدات منذ اللحظة الذي أعلن فيها عن قيام وحداته الهندسية بعملية دفاعية أن عملية "درع الشمال" لن تقود حزب الله إلى رد عسكري، وهناك تعليمات واضحة لأعضاء الحكومة بعدم الإدلاء بأي تصريحات من شأنها أن تُغير قواعد الاشتباك الأمني والعسكري مع حزب الله، لأن الوقت قد لا يُسعف الاحتلال في الدخول بمواجهة مسلحة أمام حلفاء إيران في المنطقة في حال وقوع أي أخطاء خلال العملية، بينما تؤكد المعلومات عن وجود خلاف حاد بين أعضاء المجلس الوزاري المصغر للحكومة الإسرائيلية (الكابينت) حول قرار العملية، حيث اعتبر البعض أنها قد تؤدي إلى تصعيد خطير سيجر (إسرائيل) إلى معركة دموية مع حزب الله وحلفاء إيران، متهمين نتانياهو بالفشل أمام تعاظم صواريخ حزب الله التي تنتظر اللحظة الحاسمة لقرار الحرب، معللين موقفهم بضرورة قيام الجيش بعمل عسكري على محور آخر ذي أهمية أكبر لخلق حالة من توازن القوى.
مركز غزة للدراسات