تقتضي برتوكولات أي احتجاج نقابي أو شعبي ضد أي سياسة أو إقرار حكومي المعرفة بأصول الشيء أو موضوع الاحتجاج. فمثلا قد لا تعرف فئة كبيرة من الناس أن قانون الضمان الاجتماعي الذي احتجت بسببه شوارع الضفة المحتلة وميادينها أن له تأصيلا في اتفاق أوسلو قبل 25عاما من خلال ملحقه الاقتصادي "بروتوكول باريس".
ينص بند في الملحق بأن "تتكفل إسرائيل بتحويل مستحقات العمال الفلسطينيين للجانب الفلسطيني عند وجود صندوق أو هيئة للضمان الاجتماعي للعمال".
تقدّر المبالغ المستحقة لدى الاحتلال الإسرائيلي بحوالي 3-15 مليار دولار، وهي مستحقات العمال الفلسطينيين في الداخل المحتل منذ 1970.وبمقتضى الاتفاق ستلتزم "إسرائيل" بتحويل هذه الأموال للصندوق الفلسطيني، لكن اللافت في الأمر عودة السلطة إلى بند من بنود اتفاق أوسلو وملحقه الاقتصادي، في الوقت الذي تدّعي فيه أنها في حِلٍّ من الاتفاق؛ مما يقدح في جدية هذا الادعاء، ويثير الشكوك حوله.
ومما يزيد إصرار السلطة الفلسطينية على تطبيق قانون الضمان الاجتماعي وجود حوالي مليون عامل فلسطيني، فاذا ما افترضنا أن متوسط دخل العامل 500$ شهرياً، وبأخذ النسبة المقرّة في القانون للصندوق، البالغة 16%(7% من العمال و9% من أرباب العمل)، يكن اجمالي الايراد في أول شهر للصندوق 80مليون دولار،بما معدّله 960مليون دولار سنوياً.
هذه المبالغ الضخمة كفيلة بحلّالمشاكل المالية للسلطة، خصوصاً أن العامل لن يستفيد من أموال الصندوق إلا بعد عشر سنوات من الاشتراك.
وتقتضي الحقيقة القول إن وجود قانون يضمن للعامل حقه ويكفل له معيشة كريمة بدخل ثابت بعد بلوغه التقاعد أو إصابته،الأصل أن يلقى قبولاً وترحيباً من العمال، وهذا لم يحصل، فالعامل لا يثق ابتداءً بالقائمين على هذا الصندوق، خاصة أن لدى الشعب الفلسطيني تجربة مريرة في آلية إدارة السلطة للصناديق السيادية (صندوق الاستثمار، صندوق القدس) مثالاً.
إلى جانب عدم وجود ضامن موثوق لهيئة الضمان خصوصا في ظل الوضع السياسي غير المستقر الذي يسوده غياب السلطة المشرِّعة "المجلس التشريعي"، وانتهاء ولاية الرئيس، وخضوعنا كشعب فلسطيني تحت احتلال قادر في أي لحظة على نزع سلطة السلطة.
خلاصة ما سبق، فإنه على أهمية وجود قانون للضمان الاجتماعي، وعلى أثره الاقتصادي الكبير إذا ما تم ضخ مبالغ الصندوق في الاستثمار الوطني؛ نرى مشروعية رفض العمال للقانون في الوقت الحالي، إلى حين تصويب أوضاع السلطة وكيانها، ولمّ شتات الشعب الفلسطيني، ففي المبالغة في الجد يكمن السخف!