قائمة الموقع

مكتوب: خيار ضم الضفة الغربية.. شعار بلا رصيد

2018-12-23T20:39:31+02:00
صورة
بقلم ناصر ناصر

تصاعد في الآونة الأخيرة خطاب ضم الضفة الغربية كلها أو بعضا منها لـ(إسرائيل)، وتحديدا مع تزايد قوة وتأثير اليمين الاستيطاني الذي يتزعمه نفتالي بينت كحزب وتنظيم، ولكنه ينتشر فكريا في كثير من الأحزاب الاسرائيلية، وعلى رأسها الحزب الحاكم الليكود، الذي يرى ضرورة ضم ما يسمى مناطق C التي تمثل ما يقارب 60% من أراضي الضفة الغربية والخاضعة لسيطرة أمنية ومدنية اسرائيلية كاملة، كبديل عن حل الدولتين المقبول إقليميا ودوليا.

يتصاعد خطاب الضم على خلفية الضجيج المضلل والمستمر لخطة ترامب مضمونا وتوقيتا، واستمرار تعزيز الاستيطان بوتيرة متنامية كما ظهر في القوانين المشرعنة للاستيطان القائم بشكل غير قانوني بحجج مختلفة ومنها (الرد الصهيوني الملائم) لتصاعد عمليات المقاومة الأخيرة في رام الله، فهل يملك خيار ضم الضفة الغربية أو أجزاء منها احتمالات سياسية عالية أم سيبقى مجرد شعارات يمينية شعبوية رنانة.

تتعلق توجهات وقرارات حكومة دولة الاحتلال بالضم بمدى تقديراتها الاستخباراتية والسياسية للثمن الذي ستدفعه (إسرائيل) أمنيا واقتصاديا وسياسياً نتيجة لرد الفعل الفلسطينية على قرارها بالضم، فلو علمت (إسرائيل) أن رد فعل الفلسطينيين سيكون (منسقا أمنيا معها) فإن احتماليات الضم سترتفع بصورة واضحة، وقد يتم الضم فعلا إذا تحققت عوامل سياسية (إسرائيلية) وإقليمية ودولية أخرى، إذ إن التكلفة الاسرائيلية المحدودة نتيجة ردة فعل فلسطينية ضعيفة هي شرط ضروري ولكنه غير كافٍ لأي قرار (إسرائيلي) بالضم.

ومن أهم موانع قيام اليمين بتنفيذ افكاره وشعاراته في ضم الضفة الغربية (لدولة إسرائيل) على الرغم من سيطرته على القرار فيها هو خوف قادته وعلى رأسهم نتنياهو ونفتالي بينيت وحتى كبار قادة الجيش والاجهزة الامنية الاسرائيلية من أن يؤدي هذا القرار الى تعرضهم لخطر المحاكمة القانونية في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي -التي تعتبر الضفة الغربية مناطق محتلة لا يجوز ضمها-وهي تكلفة باهظة وحقيقية اخرى لا يعترف بها علناً قادة اليمين في (إسرائيل)، لأنها تمس بعنجهيتهم وكبريائهم خاصةً في عيون انصارهم.

تظهر أحدث التقارير والابحاث الاسرائيلية الموثوقة أن معارضة قوية ومسلحة من مؤيدي فتح والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية لقرار (إسرائيلي) بضم 60% من اراضي الضفة الغربية - مناطق C ستكلف (إسرائيل) ثمنا باهظا جدا، سيجبرها على إعادة احتلال مناطقA، وسقوط السلطة وبالتالي تولي (إسرائيل) المسؤولية الكاملة عن الضفة الغربية، مما سيكلفها ووفق ثلاثة من المدراء العامّين السابقين لوزارة المالية الاسرائيلية 52 مليار شيكل سنويا، وذلك كنفقات على الصحة والتعليم وبعض البنى التحتية، ولا يشمل ذلك مليارات الشواكل الأخرى كتكاليف أمنية سنوية.

لقد أشار تقرير اسرائيلي حديث بهذا الشأن أن الضم سيؤدي أيضا لدفع (إسرائيل) مبلغ 27 مليار شيكل لتغيير شكل الجدار العازل الذي سيؤدي أيضا الى تحويل 66 ألف فلسطيني لمواطنين اسرائيليين، فهل تملك (إسرائيل) القدرة على تحمل هذه التكاليف؟!

لا تملك (إسرائيل) على الارجح القدرة على تحمل تكاليف الضم، خاصة في ظل تراجع قدرة حلفائها في الاقليم والعالم على مساعدتها ماليا وسياسيا، فأمريكا ترامب تستمر في سياسة أوباما في التراجع من الشرق الاوسط، وترامب يعلن انسحابه الفوري من أحد أهم ساحات (إسرائيل) (القتالية) وهي الساحة السورية. إضافة الى ذلك فإن ملوك النفط العرب منشغلون في هذه الايام بالدفاع عن عروشهم تحت ضغط الرأي العام العالمي والامريكي بقيادة الاتراك والمطالب بمحاسبتهم على جرائمهم ضد شعوبهم وانتهاكهم الصارخ لحقوق الانسان، كما ظهر جليا في قرار مجلس الشيوخ الامريكي الاخير بشأن اتهام ابن سلمان بالمسؤولية عن مقتل الصحفي خاشقجي.

وقد كشفت صحيفة وول ستريت جورنال عن مدى تراجع قدرة ابن سلمان على المبادرة والعمل لمصالح حلفائه.

من الواضح أن دولة الاحتلال ستفضل بقاء الوضع الراهن في الضفة الغربية كما هو عليه الان فمن جهة يمكنها الاستمرار في تحمل دفع اكثر من 3 مليار شيكل سنويا للمستوطنات في الضفة _ منها مليار شيكل يخصم من الكفالة الامريكية لـ(إسرائيل)_ وذلك في اطار حركة بناء لم يسبق لها مثيل في تاريخ الضفة الغربية منذ العام 1967 وفق ما اوردته منظمة (السلام الان) الاسرائيلية الامر الذي يدمر فعليا أي امكانية لحل الدولتين وفي نفس الوقت يسمح بالسيطرة الكاملة والفعلية على مناطق C دون قرار رسمي لهذا التدمير او بذاك الضم.

ومن جهة ثانية يمكن لـ(إسرائيل) العيش في ظل مقاومة فلسطينية محدودة التكاليف ومقيدة النجاعة والفعالية ومكبلة بقيود التعاون الامني بين اجهزة السلطة و(إسرائيل).

بناء على ما سبق فإن خيار ضم مناطق C لـ(إسرائيل) واقامة كيان فلسطيني محدود و(مسخ) كما يطرح المستوطنون برعاية نتنياهو هو خيار غير واقعي وباهظ الثمن، وما استم

رار تصاعد خطاب الضم الا نتيجة للشعبوية المتزايدة في (إسرائيل) التي تشجع على إطلاق الشعارات الرنانة، وتدفع القادة لاتخاذ مواقف وقرارات لا تدعمها في الغالب الجهات المهنية والموضوعية حتى في دولة احتلال كـ(إسرائيل)، وكل ذلك متعلق ومرتبط أولا وأخيرا بمدى جدية الرفض والنضال الفلسطيني ضد هذه المشاريع وتحديدا من حركة فتح والسلطة الفلسطينية.

اخبار ذات صلة