"تأتي الرياح بما تشتهي السفن"، عند الصياد محمد العبد الذي يرقب أحوال الطقس في فصل الشتاء لعلها تحمل له أخباراً تفرحه باقتراب منخفض جوي عميق مصحوباً بالرياح التي تعلي مياه البحر، ليرمي ما بحوزته من شباك صيد داخلها في أعقاب انتهاء المنخفض مباشرةً منتظراً رزقه من الأسماك المختلفة.
ويستعمل العبد وأخيه الذي يصغره، سفينة صيد صغيرة "حسكة"، للدخول إلى مياه البحر القريبة من الشاطئ، ليشرع بعدها في رمي الشباك بمهارة، إذ يجد من تحرك مياه البحر فرصة لاصطياد الأسماك كبيرة الحجم التي تظهر دائماً بعد المنخفضات الجوية مباشرة وقبل ان تصفو مياه البحر من الأتربة.
يحكي الصياد (22 عاماً)، "للرسالة"، بعد انتهاء المنخفض الأخير على قطاع غزة، تمكن ولأول مرة من اصطياد سمكة "جرع"، بلغ وزنها 8 كيلو جرام وتعتبر من النادر جداً اصطيادها خلال الأيام العادية، بالإضافة إلى عددٍ من الأسماك الأخرى المتنوعة (دنيس، صروص وبوري) زاد وزنها عن الـ 15 كيلو ما حسن من ظروفه المادية الصعبة التي يعيشها.
ويمدح العبد مهنة صيد الشاطئ خلال الشتاء، على الرغم من البرد القارس الذي يعاني منه في أيامه، إذ تقلبه أمواج البحر دائماً داخل المياه وتجبره للسباحة في المياه الباردة، إلا أن ذلك لا يثنيه عن شق طريقه لنصب شباكه لاصطياد الأسماك.
ويمضي بالقول "في الشتاء تساعدنا المياه الباردة على الاحتفاظ بالأسماك من الفساد بينما في الصيف سرعان ما تفسد الأسماك داخل الشباك إذا تأخرنا قليلاً في إخراجها من المياه".
وبجوار الصيادان (محمد ومنار)، ينشغل الصياد عبد الرحمن فريد، في تجهيز شباكه التي بقيت على الشاطئ 4 أيام، في انتظار انتهاء المنخفض الجوي، ليدفع بها إلى مياه مباشرةً، ويقول لمراسل "الرسالة" الذي تجول على شاطئ السودانية شمال قطاع غزة إن "رزق الشتاء الوفير يبقى في انتظار قدوم منخفض جوي، إذ تتحرك خلاله مياه ورمال البحر، وتجعل رؤية الأسماك للشباك ضعيفة ويوقعها فريسة سهلة بداخلها".
ويشير صاحب البشرة السمراء، إلى ان صيد الأسماك في أيام الشتاء الهادئة عادة ما يكون بالقليل وغير الوفير نظراً لعدم وجود أي مواسم صيد خلاله، ومع ذلك تبقى المنخفضات الجوية نافذة أمل لتحسين ظروف الصيادين المعيشية.
وفي ذات المكان يتجول التاجر (أبو أحمد)، وعدد من المواطنين الذين كان هدفهم من المجيء للشاطئ في البرد القارس، شراء الأسماك ذات الجودة العالية، ويقول التاجر، إن "معظم الأسماك التي تأتي في أعقاب المنخفضات هي من ذوات السعر المرتفع والجودة العالية، نظراً لحجمها المميز ونوعها الذي يلقى قبولاً واسعاً من المواطنين.
ويوضح التاجر أن أنواع الأسماك الشاطئية تتنوع بين (الدنيس، والصروص، والمرمير، والجرع)، ويتراوح سعر الكيلو الواحد من هذه الأنواع كبير من 30 إلى 45 شيكل حسب الحجم والجودة، إلا ان الظروف الاقتصادية التي يعانيها القطاع قد تجبره لتخفيض سعره وبيعها بسعر الجملة أحياناً.
ولا يأبه صيادو الشاطئ، بمساحة الصيد التي يحاصر الاحتلال بها بحر غزة، إذ يقتصر صيدهم لمساحة أقل من 2 ميل بحري، إلا أنهم يعانوا من التزاحم واقتراب بقية الصيادين الكبار من شباكهم، إذ لا يجدون داخل مساحة الـ 6 أميال رزقاً، ما يدفعهم للجوء إلى الصيد قرب بجوار البسطاء قرب الشاطئ.
ويمارس نحو 4000 آلاف صياد غزّي مهنتهم في بحر غزة، إذ يعتبروا هدفًا مباشرًا لبحرية الاحتلال، التي لا تنفك عن ملاحقتهم ومصادرة مراكبهم، بالإضافة إلى أنها تفرض عليهم مساحة ضيقة للصيد، وتمنع من دخول معظم المعدات اللازمة للصيد إلى قطاع غزة.