لليوم الثاني على التوالي خرجت مساء الاثنين احتجاجات مناهضة للحكومة السودانية ومنددة بغلاء المعيشة من ملاعب كرة القدم في العاصمة الخرطوم، يتزامن ذلك مع إبداء دول الترويكا والاتحاد الأوروبي قلقها إزاء سقوط قتلى في الاحتجاجات المتواصلة منذ ستة أيام.
فقد فضت قوات الأمن مظاهرة أعقبت مباراة فريقي المريخ والأهلي في بطولة الدوري الممتاز بالعاصمة الخرطوم.
وأطلقت الشرطة الغاز المدمع لتفريق المحتجين في منطقة السوق العربي وسط المدينة.
وبعد المباراة هتف الجمهور من داخل الملعب ضد "حكم العسكر"، وبعد خروجهم جاب المشجعون الطرقات القريبة وهم يهتفون "وين الجيش وين الجيش.. الكيزان سرقو العيش"، في إشارة إلى سرقة الحزب الحاكم للقوت.
وكانت مظاهرات احتجاجية انطلقت مساء الأحد من ملعب نادي الهلال لكرة القدم في مدينة أم درمان، عقب مباراة فريق الهلال السوداني والأفريقي التونسي، تصدت لها الشرطة بإطلاق الغاز المدمع.
تجاوزات وقلق
على صعيد آخر، أعربت دول الترويكا الخاصة بالسودان (الولايات المتحدة والنرويج والمملكة المتحدة وكندا) عن قلقها إزاء "أعمال العنف" التي وقعت خلال الاحتجاجات الأخيرة، بما في ذلك تقارير قالت إنها "موثوقة" عن استخدام الذخيرة الحية ضد المتظاهرين.
وأكدت هذه الدول في بيان لها اليوم على "حق السودانيين في الاحتجاج السلمي للتعبير عن مظالمهم المشروعة"، كما حثت الحكومة على الاستجابة للمظاهرات بشكل مناسب عبر الشرطة النظامية والتعامل وفقاً للقانون السوداني والدولي لحقوق الإنسان.
في السياق ذاته، قال الاتحاد الأوروبي إنه قلق من تقارير تشير إلى أعداد متزايدة من الضحايا، طالبا إظهار ضبط النفس والعمل في إطار القانون.
وطلب متحدث باسم الاتحاد في بيان من الحكومة السودانية "احترام حق السودانيين في التعبير عن مخاوفهم والاستجابة للشكاوى".
"تعامل حضاري"
وكانت الخارجية السودانية قد أطلعت أمس الاثنين البعثات الدبلوماسية بالخرطوم على الأوضاع في البلاد على خلفية الاحتجاجات المستمرة منذ الأربعاء الماضي.
وقال المتحدث باسم الخارجية بابكر الصديق "أوضحت أن الحكومة تتفهم دواعي احتجاج المواطنين على نقص بعض المواد الأساسية وارتفاع أسعارها، وأن السلطات المختصة تعاملت بطريقة حضارية مع الاحتجاجات السلمية".
وأشار إلى جنوح بعض الاحتجاجات للتخريب والنهب والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وإحراقها، "مما تطلب التصدي للمخربين والمندسين وفقا للقانون، حيث تم ضبط بعضهم، ويخضعون الآن للتحقيق وسيقدمون للمحاكمة".
وأصدرت سفارات بالخرطوم، بينها السفارة السعودية والكويتية والماليزية والفلبينية، تحذيرات لرعاياها من الأوضاع التي تعيشها مدن سودانية، وحثتهم على عدم الاقتراب من الاحتجاجات.
وكان الرئيس السوداني عمر البشير قد وعد خلال اجتماع مع قيادة جهاز الأمن الوطني والمخابرات أمس الاثنين بإصلاحات اقتصادية "حقيقية" تنهي أزمة غلاء المعيشة الراهنة.
وجاء تعهد البشير بمعالجة الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها البلاد في وقت تتعدد فيه أساليب الاحتجاجات على سياسات حكومته، وبات معارضون له يطالبون علانية برحيله عن السلطة التي يمكث فيها منذ نحو ثلاثة عقود.
فقد نفذ "تجمع المهنيين السودانيين" الاثنين إضرابا عاما، وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إن قطاعات مختلفة لبت الدعوة. وكان الأطباء من بين المضربين، لكن إضرابهم استثنى أقسام الطوارئ، ومن المقرر أن يشمل الإضراب اليوم الثلاثاء الصيدليات في ولاية الخرطوم.
تنحي النظام
كما دعا تجمع المهنيين إلى تنظيم مسيرة اليوم تبدأ من ميدان "أبو جنزير" وسط العاصمة صوب القصر الرئاسي لتسليم مذكرة للرئاسة تطالب بتنحي النظام فورا.
وتأتي الدعوة لهذه المسيرة في وقت ساد فيه هدوء حذر مدن السودان الرئيسية في سادس أيام الاحتجاجات باستثناء بعض التحركات في المناقل ورفاعة بولاية الجزيرة، والزيداب بولاية نهر النيل.
ورغم اتساع رقعة الاحتجاجات لتشمل ولاية الجزيرة، فإن من المقرر أن يزور الرئيس البشير الولاية اليوم. وقالت وكالة الأنباء السودانية إن البشير سيخطب في ثلاثة حشود بثلاث مناطق ليس بينها عاصمة ولاية الجزيرة "ود مدني".
يشار إلى أن الاحتجاجات التي بدأت الأربعاء الماضي أسفرت حتى الآن عن مقتل ما لا يقل عن عشرة أشخاص، بحسب مصادر رسمية، في حين تحدث زعيم حزب الأمة الصادق المهدي الجمعة الماضية عن سقوط 22 قتيلا.