أفرزت الظروف السياسية البائسة التي لا زال يمر بها القطاع على مدار اثني عشر عاماً من حيث الحصار الإسرائيلي المفروض وواقع الانقسام البغيض ما بين الضفة وغزة، واقعاً اقتصادياً مزري ألقى بظلاله على الواقع البيئي مخلفاً أرقاماً كارثية من التلوث.
وكإحدى نتائج هذا التلوث البيئي كان للخزان الجوفي النصيب الأكبر من هذه الكارثة التي أضحت تهدد حياة المواطنين في القطاع الذي لم يعد لديهم الكثير من مقومات الصمود أمام أزمات غزة المختلفة.
وقال مدير التوعية البيئية في سلطة جودة البيئة، الاستشاري المختص في علوم المياه والبيئة والصحة العامة أحمد حلس، "لقد وصل انخفاض منسوب المياه في الخزان الجوفي بمقدار 16-17 متر عن الأعوام السابقة، ووصل في بعض المناطق إلى 20 متراً".
وكشف "السحب الجائر الذي يفوق ما يزوده المطر علماً بأن مقدار ما يزوده المطر 140 مليون متر مكعب سنوياً".
وتابع حلس: "هكذا فقد أصبح الخزان الجوفي بعيداً عن سطح الأرض ما أدى إلى توغل مياه البحر إلى الخزان الجوفي في محاولة لتعبئة الفراغ والنقص الذي أصاب منسوب الخزان الجوفي والتي أوصلت مياه البحر إلى منطقة اليرموك بغزة أي توغلت حوالي 4 كيلو متراً على طول القطاع".بحسب وكالة وفا
وأضاف "هذا التوغل نجم عنه تلوث كيميائي ألا وهو وصول عناصر ثقيلة إلى الخزان الجوفي مثل كلوريد الصوديوم والرصاص والزرنيخ وغيره من المعادن ونتيجة لذلك تشير أحدث التقارير إلى أن خطر التلوث في الخزان الجوفي وصل إلى ما نسبته 97% من هذه المياه أصبحت غير صالحة للشرب رسمياً ما تؤكده تقارير سلطة المياه في غزة وهذا الرقم في ازدياد".
أما فيما يتعلق بالتلوث الناجم عن وجود النترات في الخزان الجوفي كتلوث كيميائي، أشار حلس أن "منظمة الصحة العالمية حددت نسبة وجودها في الماء ليكون صالح للشرب بمعدل ألا تزيد عن 50 ملجرام في اللتر الواحد، أما الرقم الكارثي فهو وصول نسبتها في الخزان الجوفي لغزة إلى 800 ملجرام في اللتر وهي الأخطر على حياة الأطفال الذين إذا اعتمدوا شرب هذه المياه لفترات طويلة فإنها تؤدي إلى ظاهرة ازرقاق الطفل والتي من أعراضها التخلف العقلي وخلل في الدماغ وربما تصل إلى الوفاة".
كما يعد الاستخدام الجائر للمبيدات الحشرية والاسمدة الكيماوية سبب آخر من أسباب تلوث الخزان الجوفي إذ أن هذه المبيدات تغسل بالمطر وماء الري الزراعي فتصل إلى الخزان الجوفي محملة بسمومها.
وأكد حلس، أنه في عام 2016 تم شراء 130 مليون شيقل مواد كيماوية للزراعة، إضافة إلى أن 400 طن مواد كيماوية دخلت غزة في ذلك العام، و200 نوع مبيدات كيماوية ناهيك عن المزارعين الذين قد يستخدموا عصارة النفايات الصلبة لتسميد المحاصيل.
كما تعتبر الآبار الامتصاصية كظاهرة شائعة في القطاع حيث أن 35% من المواطنين غير متصلين بشبكة صرف صحي نتيجة غياب البنية التحتية وبالتالي تصل محتويات هذه الآبار أيضاً إلى الخزان الجوفي وتلوثه.
يشار إلى أن 95% من مياه سكان القطاع زراعية أو منزلية هي آبار مياه جوفية، إضافة إلى 10% خط "مكروت" الإسرائيلي وبعض محطات التحلية على شاطئ البحر والتي أغلبها متوقف بسبب أزمة الكهرباء إذ يوجد في غزة 160-200 محطة تحلية والتي يبلغ ما نسبته 40-50% من هذه المحطات ملوثة بالميكروبات كونها غير مرخصة وغير مراقبة وبالتالي تفتقر إلى معايير السلامة في جودة المياه.
وقال حلس: "تعاني هذه المحطات أيضاً من خلل يتعلق بنزعها قيمة الماء كيميائياً أي نزع العناصر الكيميائية المكونة للماء المعالج، ووجدنا أن المياه قبل المعالجة أفضل منها بعد المعالجة كما أن 60-70% من هذه المحطات غير مراقبة".
وبين أن وادي غزة وما يحمل من مياه صرف صحي تصل إلى أكثر من 22 ألف لتر مكعب تصل أيضاً إلى الخزان الجوفي، إضافة إلى التمدد السكاني فالشبكة التي يستعملها القطاع تم بناؤها قبل 15 سنة وتخدم مليوني مواطن ويقول "يوميا يزداد عدد السكان في غزة بمعدل 130 شخص وكل سنة بمعدل 65 ألف شخص".
وقال حلس: "أيضاً مكبات النفايات الصلبة والصور الكارثية هناك كلها عوامل تشارك في تعميق الأزمة فيوجد في غزة ثلاثة مكبات رئيسية هي مكب نفايات جحر الديك في الشمال ودير البلح في الوسطى وصوفا والفخاري في رفح وخان يونس إذ أن كل طن نفايات صلبة ينتج 250 لتر عصارة شديدة السمية والتي الأصل أن يتم معالجتها ولكنها للأسف تصل الخزان الجوفي وكلها سموم".
يشار إلى أن قطاع غزة بتعداده السكاني ينتج يومياً 2000 طن نفايات صلبة، 65% منها مواد عضوية.
أما فيما يتعلق بالاستهلاك فإن غزة سنوياً تحتاج إلى 220 مليون متر مكعب من الخزان الجوفي الذي يساهم المطر في تغذيته بنسبة 110 مليون كوب سنوياً وبما أن المطر لا يصل كله إلى الخزان الجوفي فإن المطر والري يغذيان الخزان ب 70 مليون كوب أي أن هناك 150 مليون كوب عجز مائي في السنة.
واختتم" "بدون تمكين للحكومة بشكل محترم كجسم قوي صلب يتحمل مسؤولياته لن يكون هناك حل فقطاع غزة بحاجة إلى حكومة ت فتح المعابر وتخلص القطاع من الحصار لجلب تمويلات كبرى وفتح آفاق تعاون دولي واستجلاب خبراء وخبرات، والدول المانحة أوقفت تمويل غزة بحجة عدم وجود السلطة على الأرض ولذلك نحن بحاجة أن نحاور العالم كجهة واحدة موحدة".