قبل رحيله

مكتوب: الشهيد أبو شريعة مجهول في الانعاش أفاق ليخبرهم اسمه

الشهيد ابو شريعة
الشهيد ابو شريعة

غزة- رشا فرحات

كيف أفاق عبد العزيز، وكيف غفى مرة أخرى غفوته الأخيرة، لا أحد يعلم، كل ما يعلمه الأطباء الذين أشرفوا على حالته يوم الجمعة الماضية أن هناك مصابا مجهول الهوية وصل إلى مستشفى الشفاء، بقطرات دماء أخيرة تسقط من الجسد الذي كان قبل دقائق مكتنز مفتول العضلات، بنبض متوقف، وبعد محاولة قياس ضغطه، لم يستطيعوا قياس أي درجة للضغط أيضا، فحملوه مسرعين إلى غرفة الإنعاش في محاولة منهم لإنعاشه، وأخيرا أفاق، أجل لدقيقة واحدة ثم قال: أنا عبد العزيز أبو شريعة، أشهد ألا إله إلا الله" ورحل.

هذا ما كتبته الدكتورة سارة السقا على صفحتها على تويتر واصفة الحالة التي وصلت إلى مستشفى الشفاء لشهيد مجهول الهوية أفاق ليخبرنا من هو ثم رحل!

عبد العزيز الذي يذكره كل أبناء الحي والجيران والصحبة، وأصدقاء الليالي والسهر، ويعرفه القريب والبعيد، أثار برحيله جدلا عبر صفحات التواصل الاجتماعي لكثرة محبيه ومفتقديه.

يقول صديقه المنشد وليد سلطان والذي يشاركه هواية الإنشاد وحبه، واختصاصه المونتاج فقد جمعتهما صداقة لطيفة يذكرها قائلا: اجتمعنا على بعض المشاغل التي لها علاقة بالتصميم والمونتاج والإنشاد، فتشكلت بيننا صداقة قوية وحميمية، وبقينا على اتصال، دائم، وفي الفترة الأخيرة انشغل كل منا بهمومه، فلم نلتق.

ويقول متأثرا: لم نتلق منذ سنة ونصف تقريبا، وكنت اتحادث معه دائما عبر الهاتف والفيس بوك ونتواعد على لقاء ولا نلتق، فجاء خبر رحيله صاعقة على قلبي أوجعتني كثيرا، فما زلت أذكر ذلك اليوم حينما كنا نسير في أحد ليالي الشتاء معا وكنت أرتدي معطفا يعجب عبد العزيز وقال لي: أشعر بالبرد يا وليد، فقدمت له معطفي وبقي حتى اليوم لديه، يفضله على ملابسه، ولقد كان له معي كثير من المواقف التي لا تنسى، في تعبي ومرضي وأوقات حاجتي".

وأنشد وليد دامعا:" سراج النور يا عبد العزيز، أيا فجرا به نور ونار، ستبقى يا شعاع المجد ليثا في قلب العزم أنت لنا فخار" .

 

وفي منزل عبد العزيز، مشهد آخر من الوجع، فهو الأخ الثاني لأربعة أخوة، فُقِد أكبرهم في سفن المهاجرين من العرب إلى أوروبا قبل سنوات، فتجرعت والدته مرارة الفقد من أوسع أبواب وجعه، جلست في الطابق الأرضي للمنزل، والذي جعلته العائلة مصلى وقف لكل الجيران، بجانب زوجته، تبكي ابنها وحفيدها الذي بقي يقفز في كل مكان يفتقد والده ولا يعلم إلى أين ذهب.

وبينما والدته وزوجته فضلتا الصمت تحدثت أخته مرام عن شقيقها قائلة: ماذا سأقول:" أخوية" واكتفت بتلك الكلمة قبل أن تسقط منها دمعة وتبدأ بالبكاء لتكمل:" لا يشبهه أحد، كان محبا لأخوته وأخواته، ممازحا حنونا، يغدق على الجميع من كرمه حتى لو كان ما لديه أقل القليل، يحب إطعام الجميع، فأنا متزوجة وفي بيتي".

واخر موقف بينهما كان صحن الفول الذي جهزه بيديه وأرسله لبيتها ليتشاركا طعام العشاء، فقد كان مميزا بإعداده.

رحل عبد العزيز الذي لم يتجاوز الثمانية والعشرين، بعد أن أنهى بكالوريوس الإعلام والعلاقات العامة من جامعة الأمة، تاركا وراءه صغيره" حفص" الذي لم يتجاوز السنتين، وزوجة حبلى، وعائلة تتمناها أن تنجب عبد العزيز الصغير لعله يحمل اسم والده الشهيد.

البث المباشر