بعد موجة العمليات الفدائية في الضفة الغربية المحتلة التي أدت لمقتل وإصابة ما لا يقل عن 17 مستوطنا، اتجهت قيادة جيش الاحتلال لاتخاذ إجراءات مشددة على حركة المواطنين في الضفة، وهدم منازل منفذي العمليات، لطمأنة المستوطنين الذين افتقدوا الأمن بشكل حقيقي.
وعمِدت قوات الاحتلال لشن حملات اعتقال واسعة على مدار شهر ديسمبر الحالي، حتى أن أعداد المعتقلين منذ بداية الشهر فاقت الخمسمائة مواطن من كافة محافظات الضفة والقدس، في محاولة من الاحتلال لوقف حالة التدهور الأمني الحاصلة في الضفة خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وقال المختص في شؤون وقضايا الأسرى والمحررين، عبد الناصر فروانة، إن أعداد المعتقلين الفلسطينيين ارتفع منذ مطلع شهر ديسمبر/كانون الأول إلى قرابة 500 معتقل، حيث تم اعتقالهم في ظروف إنسانية صعبة ومعقدة.
وأكد فروانة في تصريح صحفي أن سلطات الاحتلال صعّدت من حملاتها اليومية العدوانية، وزادت من استهدافها المباشر للمدنيين من خلال عمليات الاعتقال التي حولتها قوات الاحتلال إلى ممارسة يومية.
وأضاف فروانة، أن سلطات الاحتلال تلجأ للاعتقالات كوسيلة ثابتة للقمع والتنكيل والعقاب الجماعي، وتصعد من حملات الاعتقال كلما اشتدت المقاومة، وهذا جزء من سياستها الثابتة منذ احتلال الأراضي الفلسطينية بهدف السيطرة على الشعب الفلسطيني ووأد ثورته وإحباط مقاومته.
وفي ملف آخر، ردت حكومة الاحتلال على العمليات بالعودة إلى سياسات الاحتلال بعد توقيع اتفاق أوسلو بإقامة بؤر استيطانية جديدة، وفي هذه المرحلة، يسعى الاحتلال إلى تبييض مئات وآلاف الوحدات الاستيطانية في المستوطنات غير القانونية، وتحويلها إلى وحدات سكنية قانونية، ما يسد الطريق عملياً أمام التوجّه للمحاكم الإسرائيلية والمطالبة بهدم البيوت التي تُقام على أراضٍ فلسطينية خاصة تم الاستيلاء عليها من قبل المستوطنين وتحت حراسة الجيش والكيان.
وكان رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو قد أوعز بتشريع وتبييض آلاف البيوت من هذا الطراز القائمة في المستوطنات، وإقامة منطقتين صناعيتين جديدتين في المستوطنات على أراضي الضفة الغربية، قرب مستوطنة أفني حيفتس ومستوطنة بيتار عيليت، والمصادقة على بناء 82 وحدة استيطانية إضافية في مستوطنة "عوفرا" شرقي رام الله.
وترافقت تصريحات نتنياهو مع إقرار اللجنة الوزارية للتشريع في حكومة الاحتلال، قانوناً جديداً لتكريس وإبقاء البؤر الاستيطانية غير القانونية التي يطلق عليها الاحتلال مسمى "المستوطنات الشابة"، وينص القانون على إلزام كافة الجهات والمؤسسات في الكيان والشركات التجارية بتقديم الخدمات للبؤر الاستيطانية التي يصل عددها إلى نحو 80 وتُعتبر مستوطنات نائية.
ولم تخفِ وسائل إعلام الاحتلال خشيتها من تصاعد الاحداث في الضفة، برغم حالة الاستنفار القائمة، إذ أوردت أن (إسرائيل) تخشى موجة جديدة من الهجمات الإرهابية في الضفة"، وكذلك "توقع مزيد من العمليات الفدائية وارتفاع في منسوب وتيرته في أنحاء الضفة بما يشمل القدس".
فيما كان التقدير الأكثر تفاؤلاً تعبيراً عن القلق العارم، حيث تشير "يديعوت أحرونوت" إلى أن "سلسلة هجمات إطلاق النار في منطقة "عوفرا" مُقلقة، وهي تفيد بأن ما قيل عن أن حماس فشلت في تحريك أنصارها لشن عمليات في الضفة هو تقدير خائب فالنيران التي أُطفئت في غزة اندلعت من جديد في الضفة.
وبرغم ما سبق، إلا أن العمليات الفدائية ما زالت مستمرة ولو بأشكال غير السلاح، من خلال رشق سيارات المستوطنين بالحجارة، أو التصدي لاقتحامات الاحتلال للمدن والمخيمات الفلسطينية، عدا عن إلقاء قنابل المولوتوف على جيبات الاحتلال خلال سيرها في مناطق مختلفة من الضفة، فيما لا يمكن لأحد توقع موعد عودة السلاح للعمل مجددا في أرجاء مستوطنات الضفة.
وفي التعقيب على ذلك، قال المختص في الشؤون (الإسرائيلية) أحمد رفيق عوض إن إجراءات الاحتلال في الضفة تشير إلى تخبطها في التعامل مع موجة العمليات الأخيرة، وأن لا معلومات حقيقة تؤدي بها إلى الخلايا المسؤولة عن العمليات، او توجيه المنفذين، وكذلك عدم السيطرة على مهاجمي سيارات المستوطنين بالحجارة وهذا يمثل ملفا منفصلا لدى قوات الاحتلال.
وأضاف عوض في اتصال هاتفي مع "الرسالة" أن الاحتلال تعمد تصعيد هجومه على الفلسطينيين في محاولة منهم لثنيهم عن الاستمرار في نهج العمليات، إلا أن ذلك الاتجاه أثبت فشله على مدار السنوات الماضية، فالحل يكمن في التراجع عن إجراءات التضييق والاستيطان بدلا من تشديدهما، مشيرا إلى توقعه استمرار التصعيد في الضفة خلال المرحلة المقبلة في ظل بقاء مسببات التصعيد وازديادها مؤخرا عقب العمليات الأخيرة.
وفي نهاية المطاف، يتأكد من الوقائع على الأرض في الضفة المحتلة على مدار السنوات الماضية، أنه لا يمكن لأي إجراءات أمنية أن تنهي وجود المقاومة بكل أشكالها بما فيها المسلحة، بناءً على القاعدة التي تشير إلى استمرار المقاومة لطالما هناك احتلال.