لم يكن شهر ديسمبر نهاية لعام 2018 فحسب، بل نهايةً فيما يبدو للمصالحة الفلسطينية إلى غير رجعة في الوقت القريب، بعد التصعيد الذي جاء من رئيس سلطة حركة فتح محمود عباس ضد حركة حماس وقطاع غزة، والذي تضمن حل المجلس التشريعي.
وفي تفسير لتصعيد عباس قال الوزير حسين الشيخ أحد أهم أركان السلطة في تصريحات استقبل بها العام الجديد إن حركته تعيد النظر في العلاقة مع حركة حماس، مضيفا: ""لن نجتمع مع قيادة حماس إطلاقا بعد هذا السلوك غير الوطني، حماس تقوم بسياسة مبرمجة تنسجم مع صفقة القرن ".
وتابع: "لا حوار مع حماس، ونعتبر أن مسار المصالحة وصل إلى طريق مسدود، وبناء عليه فلنذهب إلى صندوق الاقتراع"، مردفا: "الحكم بيننا الشعب وصندوق الاقتراع. من ينتخبه الشعب الفلسطيني يقوده".
وفي المقابل، وجهت حركة حماس انتقادا لاذعا للرئيس عباس إثر تصريحاته الأخيرة التي وصف فيها الحركة بـ"الجاسوسة"، فيما طالبت مختلف الشرائح والفصائل الوطنية والإسلامية والشخصيات بالعمل الجمعي لمواجهة ما أسمته الحركة "ديكتاتورية رئيس السلطة محمود عباس ونظامه الشمولي القمعي".
ووصفت الحركة في بيان شديد اللهجة عبارات عباس بأنها "عكست شخصيته المهزومة، والتي لا تليق برئيس، ولا يتشرف بها الشعب الفلسطيني المقدام، والتي عبرت عن حجم البؤس واليأس الذي يتملكه جراء السياسات الفاشلة التي اتبعها، والمواقف المدمرة التي اتخذها على مدار حكمه، وفرضها على الشعب وكل مكوناته، وأثرت على وحدته ورؤيته السياسية والنضالية المتعلقة بإدارة الصراع".
ولفتت الحركة إلى أن البيان أظهر "عباس مستعرا غاضبا حانقا غائب عن الوعي والمشهد السياسي والداخلي، فاقدا للذاكرة، مضطربا، مختل التوازن، غارقا في التفرد، ممعنا بالإقصاء والانقسام واستمراره من خلال قراراته المتعجلة، واستخدامه مؤخرًا لألفاظ تسمم العلاقة الوطنية".
وعلى إثر تصعيد عباس ورد حماس عليه، يبدو أن المصالحة الفلسطينية قد وصلت مرحلة التجمد التام، فيما بلغت العلاقة بين حماس وعباس مرحلة اللاعودة، بعد أن فاض الكيل بحماس ولن تتحمل كل التجاوزات التي ارتكبها الرئيس عباس بحق المصالحة الفلسطينية والقضية بأكملها.
وفي التعقيب على ذلك، قال الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني لقد تابعت خطاب الرئيس عباس الذي وصف حماس وتيار الاصلاح الديمقراطي بالجواسيس وكذلك لقاء حسين الشيخ وجبريل رجوب، ومن الواضح أن حركة فتح تتبنى محدد القطيعة مع حماس مع فرض مزيد من الاجراءات ضد قطاع غزة مع العمل على ترسيخ وتجديد شرعيات مؤسسة السلطة وضمان الهيمنة عليها.
وأضاف: "لقد تابعت بيان حماس للرد على اتهامات عباس وسلوكها تجاه مهرجان فتح للانطلاقة، والاتجاه الأول لاستشراف العام الجديد يتمثل في توظيف الادارة الأمريكية للحالة الفلسطينية عبر تمرير صفقة القرن سواء بإعلان او بدون إعلان وتتم عبر منح قطاع غزة الاعتراف الدولي لتصبح كامل أركان الدولة متوفرة فيها، مقابل دفع السلطة باتجاه مبدأ الكونفدرالية مع الأردن.
أما الاتجاه الثاني يتمثل في متغير دراماتيكي يحدث تحولا جوهريا وهذا المتغير ينحصر في (تغير في ميزان القوى دولياً- ثورات عربية تغير من الواقع الاقليمي - وفاة الرئيس عباس - حرب شرسة ضد قطاع غزة أو الضفة الغربية تكون لها نتائج سلبية أو ايجابية ) وبذلك يكون اتجاه القضية الفلسطينية باتجاه الوحدة الوطنية.
وبناءً على ما سبق، يتضح أن ثمة قرار لدى سلطة حركة فتح في رام الله بإنهاء العلاقة القائمة بين قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة، عبر التضييق على المواطنين في قطاع غزة، ومن خلال الضغط على حركة حماس والفصائل الرافضة لمواقف عباس اتجاه القضية الفلسطينية، وهذا يتطلب موقفا وطنيا مضادا لهذه المحاولات التي تديرها السلطة.
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي فايز أبو شمالة أن العلاقة بين حماس وحركة فتح تيار عباس وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة، قد لا تجري المياه فيها مجددا، في ظل تعنت عباس في مواقفه اتجاه قطاع غزة وحركة حماس.
ويقول أبو شمالة في اتصال هاتفي مع "الرسالة" إن حركة حماس كانت هذه المرة أكثر وضوحا وصراحةً في وصفها لعباس، وهذا التوصيف الصادر عن الحركة لا يختلف عليه أي فلسطيني ذو توجهات وطنية، إذ ابتعد عباس على مدار السنوات الماضية عن طريق المشروع الوطني بصورة فجة لا لبس فيها.
ويضيف أن رد حماس على تصعيد عباس قد يؤسس لمرحلة وطنية جديدة، عنوانها تجميع موقف وطني مضاد لتفرد عباس بالقرار الوطني، من خلال توحيد الصف الفلسطيني الداخلي، في ظل الوحدة القائمة بين فصائل المقاومة في قطاع غزة في الفترة الأخيرة.
وفي نهاية المطاف، تصعيد عباس اتجاه قطاع غزة وحركة حماس ليس إلا جزءاً من مسلسل الهروب من المصالحة الفلسطينية واستحقاقاتها، رغم الجهود المبذولة من الوسطاء لإتمامها على مدار السنوات الماضية، في مقابل جهد حركة حماس الواضح في سبيل إنجاحها وبشهادة الوسطاء أنفسهم.