غزة- أمينة زيارة – الرسالة نت
يتنقل بين الجماهير المحتشدة بكرسيه المتحرك بمهارة وخفة ، تارة يدفع كرسيه بين الجماهير ليلتقط صورة لطفل يحمل راية وأخرى لسيدة تحمل مصحفاً، وتساعده زوجته بالتقاط الصور أحيانا، كرسيه لم يحل بينه وبين ممارسة عمله وتحقيق أحلامه الصحفية، فقد قهر إعاقته بإرادة وعزيمة قوية وأثبت جدارته، إنه الصحفي الجريح "مؤمن قريقع" الذي فقد قدميه في استهدافه من قبل طائرة صهيونية..
**قاهر الإعاقة
وعن إصابته يقول الصحفي مؤمن قريقع الذي عاد حديثا من المملكة العربية السعودية بعد رحلة علاج لم تفلح في إعادة قدميه: أصبت أثناء إعداد تقرير صحفي لإحدى المؤسسات الصحفية التي كنت أعمل معها حيث تم استهدافي من قبل طائرات الاحتلال أدت إلى بتر قدمي .
ويضيف : تنقلت في عدد من البلاد العربية لإجراء عمليات لإعادة قدمي أو تركيب أطراف صناعية ولكن دون جدوى حتى استقر بي الحال في السعودية وتزوجت الصحفية الفلسطينية "ديمة عيدية" التي اعتبرها زميلتي ورفيقة دربي والتي تدفعني للاستمرار في العمل الصحفي، ويتابع صاحب الإرادة والعزيمة القوية: الإعاقة ليست ضعف أو نقص لدى الإنسان بل الإنسان القوي هو من يقهرها ويثبت نفسه في الميدان من خلال عمله الذي يحمل رسالة هادفة، قائلاً" "المعاق ليس معاق الجسد بل معاق الإرادة والتفكير".
ويشير إلى الصعوبة التي يواجهها في التنقل بين الجماهير أو اعتلاء منصة لالتقاط بعض الصور، فيقول: زوجتي تقف إلى جانبي وتدفعني إلى الأماكن التي استطيع التقاط صور منها وكذلك هي تقوم بالتصوير بدلاً مني في بعض الأحيان من أماكن لا استطيع الوصول لها، واضاف قريقع: خلال عودتي إلى العمل الميداني لم أجد صعوبة في التعامل مع الصحفيين خاصة المصورين الذين يتدافعون لخدمتي وإفساح المجال لي، فقد وجدت ترحيبا واسعا من قبل الصحفيين في عودتي للعمل بإرادة وعزيمة قويتين، وخاصة في استقبال الأسيرة المحررة فاطمة الزق حيث ذهبت للتصوير فأصعدوني على المنصة واستطعت التقاط عدد من الصور.
عودة للعمل الصحفي
يقول قريقع وابتسامة المنتصر لا تفارق محياه: عندما استيقظت من العميلة ولم أجد قدمي أول ما جال في خاطري، كيف سأعود لممارسة عملي بلا قدمين أو على كرسي متحرك؟، وشعرت بضعف الدنيا ينهال على جسدي إلا أن إيماني بالله وإرادتي القوية صنعت مني إنساناً آخر أكثر قوة، فعدت إلى أرض غزة أمارس عملي المحبب إليّ وامتشق "ابنتي" الكاميرا وأنزل إلى الميدان رغم الصعوبة في التحرك.
ويتابع المصور قريقع حديث التحدي فيقول: لم أجعل أحلامي تقف عند حدود إعاقتي بل وضعت خططاً ورسمت أحلاماً وأنا في السعودية كي أحققها بعد عودتي إلى غزة، لكنني فوجئت بالواقع المرير، فقد فقدت عملي مع بعض المؤسسات بسبب إعاقتي ولكنني لم أيأس بل استمريت في العمل الصحفي وها أنا لازلت في الميدان كغيري من الصحفيين لكن بحركة محدودة.
صحفي حر
ويعود قريقع بشريط ذاكرته إلى شهور مضت فيقول: تمنيت أن التقط صورا لحرب غزة وأنقل صور ما يحدث لأهلنا في القطاع للعالم الخارجي ليرى وحشية الاحتلال ضد شعب أعزل، واستخدامه للسلاح المحرم بحق الأطفال والنساء والشيوخ، لكن الإصابة حالت دون أن أحقق هذا الهدف وأشارك في نقل الحقيقة للعالم.
وقال: لن أنكر جهد زملائي الإعلاميين الذين أدوا الرسالة على أكمل وجه وأوصلوا للعالم الصورة القاتمة التي فرضها الاحتلال على القطاع بقتله الأطفال والكبار، ويضيف: فقدت أحباء إلى قلبي وكم تمنيت أن أودع الصحفي الشهيد باسل فرج رفيق الدرب والعمل الصحفي الذين استشهد في مصر ولم أعلم باستشهاده إلا بعد شهور.
ويضيف قريقع: بعد فقداني عملي مع المؤسسات بدأت العمل كمصور حر وفُتحت أمام الأفق للعمل حيث بدأت بعض المؤسسات تقبل عملي وتشجعني على الاستمرار في العطاء فهم معجبون بالعزيمة القوية والإدارة التي تدفعني للاستمرار في العمل الصحفي، وكلي ثقة بالله أن يمنحني الشجاعة والقوة كي أعود للعمل،
اما رسالته للاحتلال الصهيوني الذي أفقده قدميه فيقول: أثناء التفكير في العودة للعمل الصحفي كان السبب الأول هو إرسال رسالة للاحتلال بأن الشعب الفلسطيني يمتلك عزيمة وإرادة قوية ولن يهزم مهما أصابوا أو قتّلوا، فنحن شعب كطير العنقاء يخرج من تحت الرماد يفرد جناحيه ويعود يحلق في السماء دون الشعور بالضعف أو الهزيمة.
وفي ختام حديثه قدم قريقع شكره إلى زوجته الصحفية "ديمة" التي وقفت إلى جانبه في محنته أثناء الإصابة والآن في العودة إلى عمله ومساعدته في التقاط الصور الصحفية، فيقول: "وراء كل رجل عظيم امرأة قوية صاحبة إرادة وعزيمة لا تلين".