يتضح تدريجياً أن مرحلة الانقسام الفلسطيني تنحصر أمام مرحلة الانفصال التام التي تأتي نتيجة الإجراءات التي من المتوقع أن يتخذها رئيس السلطة محمود عباس.
وبعد أكثر من 12 عاما من الانقسام وفشل كل الجهود الداخلية والدولية لإتمام المصالحة يقف الفلسطينيون اليوم أمام مرحلة قد تكون الأقسى والأخطر على قضيتهم.
وقد تصاعدت حدة الأزمات والخلافات بين حركتي فتح وحماس في الأيام الماضية إثر أزمة احتفال فتح بانطلاقتها وإقامة مهرجان في غزة.
التبعات الخطيرة للأمر تمثلت في الخطوات التي اتخذها أبو مازن والتي يهدد باتخاذها في الأيام القادمة حيث قرر سحب الموظفين من معبر رفح للانتقام من حماس لمنعها إقامة المهرجان، الأمر الذي رأى فيه الكثيرون أنه المسمار الأخير في نعش المصالحة الوطنية.
وقد حمل القرار عدة رسائل هامة أولها لحماس وباقي الفصائل أن عباس لديه الكثير من الخيارات وبإمكانه أن يمارس المزيد من الضغط على غزة لخنقها واجبار حماس على الاستسلام.
بينما الرسالة الأخرى كانت موجه للدول العربية التي تربطها علاقات إيجابية بحماس وتحديداً مصر وقطر، خاصة أن السلطة لم تخف غضبها من الخطوات التي تم اتخاذها في غزة عبر رعاية مصر والأمم المتحدة وقطر ملف التهدئة والتي أدخلت الأموال والسولار القطري إلى غزة بموجبه.
وترغب السلطة في إثبات أنه من الصعب تجاوزها في غزة برغم الاتفاق الذي جرى وأنها قادرة على قلب الطاولة وخنق غزة وهو ما يفشل أي خطوات تم اتخاذها سابقاً.
وتقول صحيفة جيروزاليم العبرية نقلاً عن مصادر فلسطينية في رام الله أن عباس لم يكن راضيا على قرار مصر الأخير بإبقاء معبر رفح مفتوحا بشكل دائم، وهو يخشى من ان هذه الخطوة ستشجع حماس وتسمح لها بتشديد قبضتها على القطاع، كما أعرب عن عدم ارتياحه عن التقارب الواضح بين مصر وحماس.
وقد حملت الخطوة دلالة مهمة كونه اتخذها من مصر فمن غير المعروف ان كان اتخذها بالتنسيق مع القاهرة أم أنها جاءت لإحراجها نتيجة علاقتها بحماس وهو الذي اشتكي خلال لقائه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من أن مسؤولي المخابرات المصرية، الذين يزورون قطاع غزة بشكل شبه مستمر، أقاموا علاقات ودية مع قادة حماس، لكنها في الحالتين تشكل ضربة قاضية للجهود المصرية للمصالحة.
وما زال عباس يصر على سياسة كل شيء أو لا شيء رغم خطورة هذه السياسة التي قد تؤدي إلى قطع كل شيء عن غزة وبالتالي تترك القطاع في أزمة خطيرة ستكون لها تداعيات كبيرة. ويهدف عباس من خطوة سحب الموظفين الضغط على مصر لإغلاق المعبر في وجه سكان القطاع، ومن ثم تصعيد الأزمة على أمل أن تدفع الأزمة الإنسانية والاقتصادية المتزايدة في قطاع غزة إلى التمرد على حماس وهي السياسة التي فشلت حتى الآن.
وفي ذات الوقت يتخذ عباس هذه الخطوات في ذروة اليأس والإحباط الذي يشعر بهما نتيجة المأزق السياسي الذي يعيشه وفي ظل عجزه عن مواجهة الاحتلال وخشية الثمن الذي سيدفعه في حال أقدم على تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي التي أوصت بوقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف بالاحتلال، لذا يهرب نحو تعميق الأزمة الداخلية والحرب ضد حركة حماس بحجة إعادة غزة لحضن الشرعية التي فقدها وانسحبت عن النظام السياسي الفلسطيني ككل.
لكن الخطورة الأكبر هي ما تمثله هذه الخطوات على مستوى القضية فهي تؤسس لحالة انفصال تام بين قطاع غزة والضفة الغربية سيكون لها آثار وخيمة على القضبة الفلسطينية التي تواجه مخاطر تصفية حقيقية في حين قيادة المنظمة مازالت تلهث وراء وهم الدولة.