استباحة جيش الاحتلال الإسرائيلي لمناطق السلطة الفلسطينية بات روتينا يوميا لا يلقى اعتراضا في الضفة المحتلة، حيث كان الاحتلال يركز طوال السنوات الماضية على استباحة المدن الأكثر احتكاكاً مع الاحتلال ومستوطنيه مثل نابلس والخليل وقلقيلية.
وكان يتجنب الاحتلال خلال تلك السنوات الاقتحام المباشر لمدينة رام الله إلا في حالات الضرورة وبالتنسيق مع أجهزتها الأمنية في معادلة واضحة للحفاظ على ما تمثله من عنوان للسلطة الفلسطينية وسيطرتها، لكنه بدأ يتجاوز هذه المعادلة بشكل فج خلال الأشهر الأخيرة حيث تعيش مدينة رام الله تحديداً حالة اجتياح يومي وصلت لعمق المدينة ومؤسسات السلطة والمنظمة وحتى منزل رئيسها محمود عباس.
إجراءات الاحتلال تؤسس لمرحلة جديدة في من الواضح أنها تمهيد لمرحلة ضم الضفة المحتلة، لكن الغريب هو موقف السلطة واعتراضها الأقل من ضعيف.
هذه الحالة دفعت القوى الوطنية والاسلامية في محافظة رام الله والبيرة للدعوة باعتبار يوم الجمعة "يوم التصعيد الميداني" في كافة مناطق الاحتكاك والتماس مع الاحتلال ومستوطنيه، رفضا لانتهاكاته وممارساته بحق الشعب.
ودعت القوى في بيانها لأوسع مشاركة في مسيرات الريسان والمغير وبلعين ونعلين وكافة نقاط الاشتباك مع الاحتلال، للرد على الاقتحامات المتتالية وخاصة لمحافظة رام الله، داعية الوزارات والمؤسسات الاهلية والقطاع الخاص للخروج للشوارع خلال الاقتحام نهارا، والتجمع أمام وزاراتهم ومؤسساتهم وشركاتهم واغلاق الشوارع في وجه الاحتلال بشكل جماعي.
ودعت لإعطاب واتلاف كاميرات المراقبة واستخدامها لأغراض الحماية الداخلية والشخصية فقط ومنع الاحتلال من الاستفادة منها، مؤكدة على اهمية حماية المطاردين.
الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري قال عبر صفحته على الفيس بوك "تعيش مدينتا رام الله والبيرة مركز السلطة ومقر إقامة رئيسها منذ أكثر من شهر اقتحاما يوميا، بحيث تتجول الدوريات الاحتلالية ليل نهار ولساعات طويلة بحثا عن أهداف غير واضحة مركزة على الكاميرات".
وتابع "تلك الإجراءات يبدو أنها تدريب وتهيئة لواقع جديد قد يحدث خصوصا في غياب الرئيس فجأة، والسلطة تبدو عاجزة تماما لا تفعل أكثر من الشكوى الضعيفة، بينما البعض يبرر ما يجري بالقول إن الضفة تحت الاحتلال لذا من الطبيعي أن نشاهد ما يحدث!!".
ووصف المصري موقف السلطة بأنه غير طبيعي وردة فعلها لا يمكن أن تكون بهذا الضعف والهوان، في وقت تهدد بإعلان قطاع غزة إقليما متمردا، وكأن الضفة تحت سيطرتها، معتبراً أنه لا بديل عن الوحدة حتى لو كانت في البداية ميدانية في مواجهة الاحتلال.
وفي دلالة أكبر على انهيار سيطرة السلطة في الضفة المحتلة تماماً كشف وزير الامن الداخلي الاسرائيلي جلعاد اردان عن أنه قد جرى نقاش في "الكابنيت" حول كيفية التصرف مع الرئيس عباس موضحا أن مصيره سيكون مشابها لمصير عرفات.
واضاف "اردان": "عباس هو الذي يتسبب بتسخين جبهة الجنوب بشكل مباشر وغير مباشر من خلال الضغوط والخنق الذي يقوم به للقطاع وبالتالي تنفجر الساحة في وجوهنا".
وتابع: كان هناك نقاش في الكابنيت يشبه النقاش الذي تعلق بمصير عرفات عندما تم الاعلان عنه انه شخصية غير ذات صلة وهناك افكار لم تطرح بعد ولكنها موجودة مثل ان يمنع من العودة إلى البلاد خلال إحدى سفرياته".
ويرى الكاتب والسياسي حسن عصفور أن هذه الاستباحة التي باتت شبه يومية لرام الله حيث مقر عباس والمؤسسات الرسمية؛ ليست عملية أمنية تقليدية، كما تحاول بعض الأوساط القول، وليست جزءا من عمل تنسيقي لمطاردة "مطلوبين".
وقال "منذ زمن، والكثير من قادة الكيان يدعون الى ضرورة الاستعداد لمرحلة ما بعد عباس، وألا تترك المسألة الى حينه، بل يجب وضع كل المخططات الضرورية لمنع حدوث مفاجآت سياسية–أمنية، في حال شغور المنصب"، مضيفاً ان دولة الكيان بدأت عمليا الاستعداد لتلك المرحلة، بالعمل الميداني–الأمني، وأساسه إعادة السيطرة الشاملة على الضفة الغربية، بكل مفاصلها، وأن تتحكم في الحركة العامة ضمن مخطط لم يعد سريا، يخدم مشروعها السياسي.
وتساءل عصفور: كيف لأجهزة أمن السلطة الوقوف متفرجة على "استباحة مهينة" لكرامتها، في حين يتحدث البعض من قيادات فتح عن عمل لإسقاط "حكم حماس" في غزة؟، وهل هناك توافق من بعض من قيادة التيار العباسي مع الكيان الإسرائيلي، أجهزة ومؤسسات؛ لسيناريو ما بعد عباس، ضمن مخطط خلق "كانتونات متفق عليها"، وأن البعض يستعد لأن يكون جزءا "حاكما بأمر المحتل"؟
واعتبر عصفور أن المشهد الذي بات حاضرا يؤشر بأن هناك ما بات متفقا عليه لما بعد عباس، وبدأت رحلة التنفيذ عبر التمرين الأمني المتواصل في مدن الضفة وخاصة رام الله.