فكرة تهجير الفلسطينيين شكلت صلب السياسة التي اتبعها المشروع الصهيوني لطرد الفلسطينيين من أراضيهم وإقامة دولة الاحتلال، وتلك السياسة التي نجحت عام 1948، لم تتمكن (إسرائيل) من تطبيقها عام 1967 حينما اجتاحت قطاع غزة والضفة الغربية والقدس، وبقي التواجد السكاني الفلسطيني الخطر الحقيقي على الاحتلال.
ولم تتوقف محاولات التهجير بعد حرب 67 حيث كشفت بروتوكولات سرية للحكومة الإسرائيلية في أعقاب حرب الأيام الستة عام 1967 تخطيطها لتهجير الفلسطينيين، وذلك خشية ازدياد عددهم بشكل يهدد فكرة "الدولة اليهودية".
ووفقًا لما سمح بنشره من تلك البروتوكولات فقد اقترح رئيس الوزراء آنذاك "ليفي أشكول" ووزير جيشه "موشي ديان" تشجيع هجرة الفلسطينيين للخارج عبر فرص عمل انطلاقًا من مبدأ عدم رغبة من يهاجر بالعودة إلى فلسطين وهذا ما حصل بالفعل.
كما جرى اقتراح قطع المياه عن قطاع غزة لإجبار من تبقى فيه على الهجرة، إذ اعتبر "ديان" أن 100 ألف فقط من سكانه البالغ في حينه 400 ألف هم سكان غزة الفعليين والباقون لاجئين، ويتوجب إخراجهم من هناك بتسوية ما ومن بين الأفكار التي طرحت تهجيرهم إلى الأردن.
كما أن الحكومة الإسرائيلية في عهدي ليفي أشكول، وغولدا مائير، قد طلبت تهجير سكان قطاع غزة إلى الأردن أو الضفة الغربية.
ويشكل قطاع غزة معضلة حقيقية في التعامل معه بالنسبة للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، ففي الوقت الذي سعت الحكومات الأولى لتهجير سكانه وإبقاء السيطرة الأمنية عليه، اضطرت حكومة شارون 2005 الى إعادة الانتشار حول القطاع وتفكيك كل المستوطنات فيه وذلك نتيجة التكلفة المرتفعة لحماية المستوطنين هناك إلى جانب خدمة استراتيجية الاحتلال الفصل بين الضفة والقطاع.
ومنذ العام 2006 تغيرت السياسة اتجاه غزة بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية فتحولت نحو الحصار الشامل الذي شل كل مناحي الحياة في القطاع وأدى لتدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية فيه.
وبعد 12 عاما من الحصار فشل الاحتلال في تحقيق هدفه بتثوير السكان على المقاومة في غزة، لذا يبدو أن (إسرائيل) تتجه نحو العودة لسياسة التهجير وفق استراتيجية جديدة.
شلومي يروشلايمي الصحفي في مكور ريشون قال إن الطريقة الوحيدة لحل مشكلة غزة تكمن في تهيئة الظروف لهجرة السكان وإفراغ غزة، مؤكداً انه قبل بضعة أسابيع اقترحت فكرة لتغيير السياسة بالكامل تجاه غزة، ودعم هذا الخط، وبدلاً من فرض حصار كلي يجب فتح الحدود قدر الإمكان ليهاجر سكان غزة إلى الغرب.
ويرى أنه إلى جانب اقتراح وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان إنشاء ميناء في قبرص للفلسطينيين، ومقترح يسرائيل كاتس بناء جزيرة في البحر المتوسط لغرض الانفصال عن غزة، من الجيد أيضا توفير أكبر قدر ممكن من تسهيلات النقل مثل العديد من الممرات البحرية وسفن الركاب قدر الإمكان، ومنح أكبر عدد ممكن من خيارات المساعدات لمن يرغب في مغادرة غزة.
واعتبر أن هذا مشروع دولي يجب على الولايات المتحدة وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي أن تقوده على أساس إنساني، ففي جميع أنحاء العالم يتم الاعتراف باللاجئين، في حالة غزة فإن جزءا كبيرا من سكانها لديهم شهادات لاجئين من الأونروا والتي يمكن أن تسهل هجرتهم وتساهم في توفير فرص حياة لهم في أماكن أخرى.
وشدد على أن هذه هي الطريقة الوحيدة لحل مشكلة غزة، والآن يتم تسخير الظروف لتنفيذها، وقال" إن الحرب المستمرة ضد غزة ليست هي الحل، والسلام مع منظمة دينية قاتلة -حماس-تريد فقط القضاء عليك أمر مستحيل، يجب علينا إفراغ غزة، وبعبارة أخرى يجب إعطاء الناس المساعدة وإمكانية إيجاد حياة أفضل وعقلانية خارج غزة، لأن هذا ما يريده الجميع".
هذه المعلومات تطرح تساؤلات هامة حول السياسة التي تستخدمها (إسرائيل) ضد سكان غزة: هل نحن أمام نقطة تحول في السياسة المتبعة ضد القطاع من الحصار الخانق الذي كان يهدف إلى دفع الناس للثورة ضد المقاومة بغزة؟
صحيح أن الاحتلال فشل في دفع الناس للثورة ضد المقاومة لكنه نجح في خنق أهالي القطاع وتحويل حياتهم إلى جحيم بعدما وصلت نسب الفقر والبطالة إلى مستويات غير مسبوقة وبات الكثير من الأسر والشباب يفكرون بالهجرة للهروب من الواقع المأساوي نظراً لانعدام الفرص بمستقبل أفضل.
ويبدو أن الاستراتيجية الجديدة التي قد تعتمدها (إسرائيل) اتجاه غزة ستجد قاعدة قوية للبناء عليها بعدما أصبحت حياة السكان لا تطاق نتيجة الحصار، ويمكن العمل على تفريغ غزة من السكان من خلال سياسة التسهيلات لكل من يرغب بالهجرة وهم كثُر.
وبالنظر لرؤية (إسرائيل) والمشروع الصهيوني فان المشكلة الأساسية التي تواجه هذا المشروع اليوم في ظل كل النجاحات التي حققها على الصعيد الدولي والتطبيع العربي والقوة العسكرية والاقتصادية التي يمتلكها هو وجود الشعب الفلسطيني وثباته على أرضه وفي حال نجح في تهجير السكان فإنه أمر لا يقل خطورة عن الحروب التي شنت ضد القطاع بل قد تفوقها من حيث التأثير على واقع ومستقبل القضية.
الاحتلال يدرك أهمية الحاضنة الشعبية التي كانت ولا زالت الحامية لمشروع المقاومة وهي التي منعت الاحتلال وكل الجهات التي تحارب المقاومة من القضاء عليها، وبقيت الحاضنة الشعبية تحمي المقاومة سواء في الحروب او في الحراك الشعبي والنضالي الذي تقوده غزة اليوم من خلال مسيرات العودة، وبالتالي مشروع التهجير يستهدف بالدرجة الأولى المقاومة وفض الحاضنة من حولها ليسهل عليه توجيه ضربة قاضية لها.