قائد الطوفان قائد الطوفان

مقال: ماذا بعد تحقيق الأمم المتحدة في إراقة الدماء في احتجاجات غزة؟

حسام شاكر
حسام شاكر

حسام شاكر

على مدار العام، حولت الحكومة الإسرائيلية وكبار ضباط جيشها قطاع غزة الي مجتمع جنازات وجرحى وأناس بأطراف مبتورة. لم تكن إسرائيل بحاجة إلى مناشير بدائية لتدمير الأطراف وفصلها، فقد تمكن قناصوها المدربون المنتشرون على حدود جميع أنحاء قطاع غزة من القيام بذلك. قام هؤلاء الجنود بتطبيق مهاراتهم المريبة على الآلاف من المتظاهرين الفلسطينيين المسالمين، وقتلهم وجرحهم طوال السنة الأولى من احتجاجات مسيرة العودة الكبرى التي بدأت في نهاية مارس الماضي. ومن بين ضحاياهم الأطفال، والمسعفون الطبيون، والصحفيون، والأشخاص ذوو الإعاقة.

كانت القيادة الإسرائيلية حريصة على رفع الكلفة والألم والمعاناة للشعب الفلسطيني الذي يواصل مظاهراته السلمية كل يوم جمعة. واستمر الجيش الإسرائيلي في قمعهم وقتلهم وجرحهم وإعاقتهم بشكل دائم، واقصد هنا الفلسطينيين الذين يشاركون في الاحتجاجات على الحدود الاسمية رغم أنهم غير مسلحين ولا يشكلون أي تهديد للجنود أو أي شخص آخر.

هذا هو ما خلص إليه التقرير الذي أصدرته الأسبوع الماضي اللجنة الدولية لتقصي الحقائق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

اجتمعت اللجنة في 18 مايو من العام الماضي وبحثت الأدلة بعناية لتقييم ما حدث على حدود غزة منذ مارس إلى ديسمبر 2018.

كان هناك قدر هائل من البيانات للأعضاء التي يتوجب على اللجنة بحثهم، ووثقت اللجنة أكثر من 6000 إصابة سببتها القوات الإسرائيلية، بالإضافة إلى ما يقرب من 200 حالة قُتل فيها متظاهرون سلميون، رغم أنهم لم يهاجموا الجنود في ذلك الوقت. ولم يكن هناك إسرائيلي واحد قد أصيب أو قتل بالمناسبة.

وهناك جانب آخر أقل ذكرا بالنسبة، وهو أن العدد الكبير من الضحايا أدى بالقطاع الصحي المدمر أصلا في غزة إلى حافة الانهيار. وحُرم كثير من الجرحى من فرصة نقلهم إلى الخارج لتلقي العلاج؛ حيث يعاني البعض الآن من إعاقات دائمة بسبب التأخر في الحصول على العلاج المناسب؛ فقد تم علاج البعض عندما كان قد فات الأوان لفعل أي شيء بالنسبة لهم.

تقرير الأمم المتحدة هو تذكير للعالم بنتيجة مذهلة لرد إسرائيل على المتظاهرين المسالمين الذين يطالبون بحقوقهم المشروعة. ومن المؤكد أن هناك أدلة كافية لتوجيه الاتهام لما يسمى باطلا قوات الدفاع الإسرائيلية وكذلك القيادة السياسية بارتكاب مجزرة مستمرة عمدا يصفها التقرير بأنها "جرائم محتملة ضد الإنسانية".

في 14 مايو من العام الماضي، وبالتزامن مع الذكرى السبعين للنكبة، وفتح السفارة الأمريكية في القدس، تجاوزت الوحشية الإسرائيلية مستوياتها الفاحشة والعالية.

 إن مقتل "على الأقل" 58 فلسطينيا في ذلك اليوم، مع جرح آلاف آخرين، يذكرنا بمذبحة شاربفيل الشهيرة في جنوب أفريقيا عام 1960، والتي كانت بمثابة نقطة تحول في وعي العالم بنظام الفصل العنصري.

 أدان المجتمع الدولي مجزرة 14 مايو في قطاع غزة لكنه لم يتخذ أي إجراء جاد لوقفها، إذ يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي قتل وجرح الفلسطينيين العزل حتى يومنا هذا.

الهدف الواضح من الاستهداف المتعمد للشباب هو خلق جيل من الفلسطينيين المعاقين، حيث أصبح مشاهدة هؤلاء الشباب والشابات المصابين مشهدًا شائعًا الآن في الأحياء السكنية في غزة. والهدف هو معاقبة الفلسطينيين على امتلاكهم الجرأة للتظاهر من أجل حقوقهم؛ والهدف هو كسر روحهم وإرادتهم الجماعية للتصدي للاحتلال العسكري الإسرائيلي لأرضهم.

ويوثق تقرير الأمم المتحدة التفاصيل المحذوفة من الدعاية الإسرائيلية، التي استمرت في ضخ رواية زائفة ومبررات للقتل الجماعي ومحاولات إلقاء اللوم على الضحايا في محنتهم.

يمكننا الآن قراءة تقرير مستقل عن استهداف إسرائيل للأطفال المسعفين الطبيين والصحفيين والأشخاص ذوي الإعاقة خلال مظاهرات مسيرة العودة الكبرى.

 السؤال هو، ماذا سيحدث بعد ذلك؟ إلى ماذا سيقود التقرير حول سفك الدماء في احتجاجات غزة؟

يمكننا القول بكل تأكيد أن هذا التقرير الدولي لن يردع الحكومة الإسرائيلية وقواتها المسلحة عن مواصلة القتل والجرح وغيرها من الانتهاكات الجسيمة ضد الشعب الفلسطيني.

وقد سبقته العديد من التقارير الأخرى التي تم تجاهلها من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والتي يسمح لها بالتصرف دون عقاب وازدراء للقوانين والاتفاقيات الدولية.

وبالتالي، فإن هذا التقرير الأخير الذي أعدته لجنة حقوق الإنسان هو اختبار جديد لفعالية مؤسسات المجتمع الدولي وجدوى إجراءاتها.

لا يمكن تجاهل الاستنتاجات التي تم التوصل إليها. ببساطة؛ لا يمكن أن يكون التقرير مسودة فقط يمكن قراءتها ثم تركها على الرف.

يجب أن يتبع التقرير تدابير وردود جدية بشكل أكيد تماما مثل تعاقب الليل والنهار، بحيث يتم مقاضاة المسؤولين عن الجرائم التي وثقتها اللجنة وفقا لنظام العدالة الجنائية الدولي.

 ربما كان الجنود الإسرائيليون قد سحبوا الزناد، لكنهم لم يكونوا قادرين على قتل وجرح آلاف الفلسطينيين بمفردهم، كان عليهم الحصول على دعم سياسي للقيام بذلك. إن الأشخاص الذين يتمتعون بسلطة إعطاء القناصة الضوء الأخضر معروفون لنا جميعاً، ومعروفون لأعضاء لجنة تقصي الحقائق.

إذا كان لهذا التقرير أي معنى وقيمة أياً كانت، فانه يجب مقاضاة هؤلاء الأشخاص فوراً.

العدالة تتطلب ذلك، يجب أن تنتهي حالة إفلات إسرائيل من العقاب.

ترجمة مركز الدراسات السياسية والتنموية

المصدر | middleeastmonitor

البث المباشر