وفية لطابعها السياسي، اعتمدت دول الاتحاد الأوروبي في 5 ديسمبر/كانون الأول 2017 لأول مرة قائمات سوداء وأخرى رمادية مشتركة تضم دولا اعتبروها ملاذات ضريبية أو سلطات ضريبية غير متعاونة. تدبير اتخذ بعد عدة فضائح ضريبية لدفع بعض البلدان لتقديم التزامات.
أُدرجت تونس ضمن القائمة السوداء للاتحاد الأوروبي بما يعني أنها من الدول الرافضة للدخول في مفاوضات لعلاج إخفاقاتها في مجال الحوكمة الضريبية الرشيدة، لتتدرج نحو القائمة الرمادية للدول التي اتخذت إجراءات كافية في المجال الضريبي لكنها تستوجب متابعة عن كثب أو توضع تحت الرقابة.
وضعية سياسية واقتصادية أحرجت الحكومة ودفعتها إلى مراجعة المشهد الضريبي في البلاد عبر طرح مشاريع قوانين تمثل حدا أدنى من الضمانات المطلوبة من الجانب الأوروبي ليتم أخيرا شطبها من القائمة الرمادية بعد مفاوضات حثيثة مع اللجنة الأوروبية لوزراء المالية.
حارس المصالح
وفقا للاتحاد الأوروبي فإن الغرض من هذه القوائم هو تحسين الإدارة الضريبية الجيدة على الصعيد العالمي، وضمان احترام الشركاء الدوليين للاتحاد الأوروبي لنفس المعايير التي تحترمها الدول الأعضاء.
أهداف معلنة يختلف معها د. محمد المنصف شيخ روحو الذي يرى أن إدراج تونس ضمن قائمات الدول التي يعتبرها الأوروبيون ملاذات ضريبية قرار سياسي بامتياز تتخذه هذه الدول للضغط على الحكومات من أجل تقديم تنازلات تضمن مصالحها الاقتصادية وتكبح التسريبات المالية.
بلغة أبسط "يجب على تونس ومثيلاتها أن تكون شرطيا يحرس المصالح الأوروبية عبر مراجعة الاستثمارات والتحويلات المالية القادمة من أوروبا قصد إنشاء وبعث مشاريع ومؤسسات يتابعها القضاء والأجهزة الأوروبية في شبهات تبييض أموال".
الكيل بمكيالين
يضيف د. شيخ روحو أن البعد السياسي يبدو أكثر تجليا عندما نعرف أن "جزر المان" الواقعة بين فرنسا وإنجلترا من أكبر الملاذات الضريبية التي يلجأ إليها رجال الأعمال ذوو النشاطات المشبوهة، وكان الأجدر تطويقها قانونيا من طرف أوروبا لسهولة الاستثمار بها.
الأموال التي نهبها الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي والمقربون منه -والتي تستثمرها البنوك الأوروبية دون السماح لتونس باسترجاعها رغم الحاجة الاقتصادية الملحة إليها- من أكبر الأدلة على عدم جدية الدول الأوروبية في التعامل مع هذا الملف الذي يعد أيضا أحد أشكال تهريب الأموال الذي تحاربه أوروبا في تونس وتنأى بنفسها عنه.
انعكاسات إيجابية
قرار شطب تونس من القائمة الرمادية لدول التهرب الضريبي سيلقي بظلاله على الحركة الاقتصادية للبلاد.
ويقول د. شيخ روحو إن رفع القيود والشروط المجحفة على البضائع المصدرة من تونس من شأنه أن يزيد من ضخ العملة الصعبة في البنوك التونسية، ويحسن قليلا من قيمة العملة الوطنية (الدينار) أمام الدولار واليورو.
تحسن قيمة الدينار بأسواق المال العالمية -يضيف المتحدث- سيسهم حتما في تحسين القدرة الاستيرادية للبلاد بسبب تحسن احتياطي العملة الصعبة بالبنوك المحلية، وبالتالي الضغط على الأسعار التي تعرف تصاعدا نتيجة ارتفاع قيمة العملات الأجنبية أمام المحلية والقيود التي سببها إدراج تونس على قوائم التهرّب الضريبي.
ورغم حصر الصادرات التونسية في المنتجات الفلاحية والصناعات القائمة أساسا على الحرف التقليدية، فإن هذا الإجراء سيساهم في تقليص نسبي للبطالة بعد استعادة نسق الإنتاج والتسويق مقارنة بالوضع الذي عاشته هذه القطاعات إبان التصنيف الأوروبي لتونس.
وشهد الدينار منذ الإعلان عن شطب تونس من القائمة الأوروبية الرمادية للملاذات الضريبية تحسنا طفيفا مقارنة باليورو والدولار مما يوحي ببداية انفراج اقتصادي صغير، لكنه يبقى غير كاف في الوقت الحالي بسبب الفساد الذي أعلنت حكومة الشاهد الحرب عليه دون نتائج ملموسة.
ورغم التبعات الاقتصادية لقرار وزراء مالية الاتحاد الأوروبي فإن عجز المستثمرين التونسيين وباعثي المشاريع عن الابتكار يجعل الحديث عن آفاق بانفراج اقتصادي محدودا، كما لا يلغي التبعية الاقتصاديّة تجاه أوروبا.
المصدر : الجزيرة