عام 1982م، دخل ضابط الشاباك على الشيخ أحمد ياسين في غرفة التحقيق، وسأله على الفور: "ماذا تريدون؟"، وبسرعة متناهية أجابه الشيخ: "نحن جئنا للجهاد والمقاومة"، ليجسد الشيخ بهذه الإجابة حياة من المقاومة والتضحية.
لم تكن هذه بداية الشيخ ياسين مع المقاومة، فقاد الشيخ وهو في العشرين من عمره، مظاهرات اندلعت في غزة تنديدًا بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، ليدشّن في تلك المرحلة انطلاقة نشاطه السياسي، والتي يصادف اليوم ذكرى استشهاده الخامسة عشرة.
الزنزانة الانفرادية
وبمواهبه الخطابية بدأت قوته بالظهور، فمع رفضه الإشراف الدولي على غزة، وسطوع نجمه وسط دعاة غزة، التفتت إليه المخابرات المصرية العاملة في ذلك الوقت، لتعتقله عام 1965م ضمن حملة استهدفت كوادر جماعة الإخوان المسلمين.
وبقي الشيخ في ذلك الاعتقال حبيس الزنزانة الانفرادية قرابة شهر، ثم أفرج عنه بعد أن أثبتت التحقيقات عدم وجود علاقة تنظيمية بينه وبين الإخوان.
وبعد هزيمة 1967، التي احتل فيه الكيان "الإسرائيلي" الأراضي الفلسطينية كافة بما فيها قطاع غزة، استمر الشيخ في إلهاب مشاعر المصلين في المساجد بدعوتهم إلى مقاومة المحتل، كما نشط في جمع التبرعات ومعاونة أسر الشهداء والمعتقلين.
واعتنق الشيخ أفكار جماعة الإخوان المسلمين، وتأثر بالإمام حسن البنا، ليتم اختياره عام 1968م لقيادة الحركة في فلسطين، فأسس عقب ذلك الجمعية الإسلامية ثم المجمع الإسلامي، ومن بعدها ساهم في تأسيس الجامعة الإسلامية.
وبدا أن نشاط الشيخ وقدرته على التأثير في المواطنين أزعج الاحتلال، فأمر عام 1982م باعتقاله، ووُجهت إليه تهمة تشكيل تنظيم عسكري وحيازة الأسلحة، والتحريض على إزالة الكيان "الإسرائيلي"، ليصدر عليه حكم بالسجن مدة 13 عامًا.
ولكن الاحتلال أطلق سراحه عام 1985، في إطار عملية تبادل الأسرى بين الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بعد أن أمضى 11 شهرًا في السجن.
البيان الأول
اتفق الشيخ عام 1987، مع مجموعة من قادة العمل الإسلامي في القطاع على تكوين تنظيم إسلامي لمقاومة الاحتلال وتحرير فلسطين أُطلق عليه اسم "حركة المقاومة الإسلامية"، وعرفت فيما بعد اختصارًا باسم حركة "حماس".
ولا يخفى على أحد مدى التأثير الذي أجرته الحركة في مسيرة الانتفاضة الأولى، وتوجيه الشيخ مسيرة هذه الانتفاضة بدءًا من بيان الانتفاضة، مرورًا ببيان انطلاقة الحركة، اللذَين صاغهما الشيخ، وصولًا إلى أفول شمس الانتفاضة.
وبعدها أصبح الشيخ الأب الروحي للحركة والانتفاضة، وتكفل الشيخ منذ بداية الحركة بمهام متابعة الجهاز العسكري للحركة منذ بدايته في عام 1987م، وترسخ دوره في حشد الهمم، وتأكيد ضرورة مواصلة المقاومة لتحرير فلسطين.
ويقول الشيخ أحمد ياسين، "إن حماس حركة تحررية، تريد تحرير الأرض والإنسان، وإزالة الاحتلال عن أرضنا ومقدساتنا، وإقامة دولة فلسطينية تتبنى المفاهيم الإسلامية؛ ومستقبلها واعد".
من القيد للتشريف
ومع تصاعد أعمال الانتفاضة، بدأ الاحتلال في التفكير بوسيلة لإيقاف نشاط الشيخ، فداهم في أغسطس 1988م منزله وفتشه وهدده بالنفي إلى لبنان.
ولما ازدادت عمليات قتل الجنود الصهاينة واغتيال العملاء؛ اعتقلته قوات الاحتلال في 18 مايو 1989م، مع المئات من أبناء الحركة وقادتها.
وفي 16 أكتوبر 1991م، أصدرت إحدى المحاكم العسكرية حكمًا بسجنه مدى الحياة إضافة إلى 15 عامًا أخرى، وجاء في لائحة الاتهام أن هذه التهم بسبب التحريض على اختطاف وقتل الجنود، وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري والأمني.
إلا أنه أُفرج عن الشيخ في عملية تبادل في الأول من أكتوبر 1997م، بين المملكة الأردنية والكيان "الإسرائيلي" في أعقاب المحاولة الفاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل.
وفي عام 1998 بعد الإفراج عنه، بدأ الشيخ وللمرة الأولى جولة عربية التقى خلالها عددًا من رؤساء تلك الدول، وسط استقبال شعبي كبير.
خرج الشيخ منتصرًا واسْتُقبل في غزة استقبال الأبطال، ليعود إلى مواصلة عمله المقاوم، مع إبداء مواقف مرنة تجاه السلطة الفلسطينية، ليحظى مرارًا باحترام رئيسها ياسر عرفات وكبار القادة الفلسطينيين والعرب.
فصول التضحية
ومع إصرار الشيخ على نهج المقاومة، الذي يتعارض مع نهج السلطة الفلسطينية، فُرضت على الشيخ الإقامة الجبرية مرتين، ورغم ذلك حافظ الشيخ على الخطاب الوحدوي الضامن لوحدة الشعب الفلسطيني.
وأما عن محاولات اغتياله، فقد تعرض الشيخ أحمد ياسين في 6 سبتمبر/أيلول 2003 لمحاولة اغتيال حين استهدفت مروحيات الاحتلال شقة في غزة كان يتواجد فيها الشيخ أصيب خلالها بجروح طفيفة.
وختم الشيخ سجل حياته المكللة بالجهاد والمقاومة شهيدًا بعد أدائه صلاة الفجر في 22 مارس/ آذار عام 2004م، ليرسم نهجًا أحيا به نضالات الشعب الفلسطيني، ويرسخ مبدأ "الحياة مقاومة".