قراءة: رشا فرحات
المئوي، أو الغريب، أو اللا مبالي، أو ربما الأحمق، وأخيرا يمكنك أن تسميه المضحك!
انتهيت للتو من قراءة رواية المئوي، وأظن أنها فعلا رواية عبقرية، إذا بدأناها بطرح سؤال: إذا كان اليوم هو عيد ميلادك المائة، ثم تسنى لك أن تهرب من دار المسنين التي تقيم فيها، إلى أين يمكنك أن تذهب، وما الذي ستفعله؟!!
هذا ما فعله " ألن كارلسون" حينما قرر القفز من نافذة غرفته إلى حديقة دار المسنين، إلى الشارع، إلى محطة الباصات، دون أن يكون له وجهة محددة، وتعثر في طريقة بشاب يحمل حقيبة مجهولة المحتوى، ائتمنه عليها لدقائق قبل أن يذهب لقضاء حاجته، وهنا بدأت الرواية فعليا حينما قرر "ألن" أن يأخذ الحقيبة ويستقل الحافلة الأولى قبل أن يتعرف في المحطة التالية على البطل الثاني في الرواية، الذي يشاركه استدراج صاحب الحقيبة ثم قتله.
الجميل في الرواية هو قدرة الكاتب على زيادة عدد أبطالها تدريجيا ففي كل خطوة يزيد عدد أفراد عصابة "آلن" وجميعهم يشتركون بصفات غريبة وقصص خيالية لا تخلو من الفكاهة والاستفزاز، ولكل منهم سبب للمشاركة في هذه المغامرة حتى اللحظة الأخيرة، وبين فصل وآخر يعرض الكاتب قصة حياة "آلن" الذي كان يعمل خبيرا في المتفجرات وكيف تدرج به عمله لمقابلة شخصيات سياسية كبيرة في عدد من الدول، واعتقاله لأكثر من مرة، واستخدامه عمله للهرب من السجن في عدد من المرات، وكيف كان ولا زال يتمتع بروح اللا مبالاة واتخاذه القرارات التي ربما يراها الكاتب مصيرية بكل سلاسة وهدوء وعدم اكتراث خاصة تلك التي تتعلق بالسياسة، فهو لم يكن سياسيا مطلقا رغم عمله مع شخصيات سياسية ذات مراكز عالية، ولم يفهم السياسة ولم يحاول فهمها.
لن أخبركم كم هي الرواية شيقة ممتعة، وجذابة، ومليئة بالصبر والبرود، ويمكننا أن نقول أن ذلك البرود والصبر والنفس الطويل في عرض أحداث ربما تراها خطيرة ومروعة بكل انسيابية وبساطة وهدوء ولا مبالاة، للكاتب هو أكثر ما يثير استغرابك أثناء القراءة!
فينما تكون هناك نصف جثة في صندوق السيارة كان جميع أبطال الرواية ملتفون على طاولة العشاء يتناولون طعامهم بكل برود، وبينما حبس أحد الشخصيات في ثلاجة لتبريد اللحوم بالخطأ، ثم نسي هناك حتى التجمد، ظل "آلن" يتناول طعام افطاره بكل برودة وشهية وهو يتلقى هذا الخبر ! ثم تفسر لك الأحداث تاريخا طويلا من قصص القتل والتفجير التي ارتكبها" آلن" عبر سنوات حياته السابقة! بكل ما لديه من برودة أعصاب، وهي ذات البرودة التي صاحبته منذ صغره في تناول الأحداث منذ أن تعرف على مهنة صناعة المتفجرات، وما سببه عمله من أضرار حتى على نفسه، وقد نجح الكاتب بإظهار هذا البرود من خلال قلمه، وهو ما لم أراه في أي رواية قبل ذلك، وهو أكثر ما أعجبني وأذهلني فعلا، ثم تذكرت أن الكاتب قادم من أحد البلاد الباردة ! وربما يمكنه أن يقدم لنا أيضا رواية بهذا البرود المذهل !
لن أطيل عليكم، حاولوا البحث عنها وقراءتها واستمتعوا بالمعلومات المعروضة فيها وطريقة سرد الكاتب المشوقة