هب قطاع غزة برغم الأجواء العاصفة التي كان يمر بها، في اتجاه الحدود الشرقية لقطاع غزة، ليثبت للاحتلال الإسرائيلي الذي كان يرقبه من خلف الجدار، أنه ثابت في أرض غزة، وعينه على فلسطين كلها.
وفي التفاصيل، شارك عشرات آلاف المواطنين من سكان قطاع غزة في مليونية الأرض والعودة وكسر الحصار ضمن فعاليات مسيرات العودة وكسر الحصار لإحياء يوم الأرض، الذي بات يتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لانطلاق المسيرات.
ولم تكتفِ غزة بالهتافات التي هزت حدود الاحتلال في الذكرى الـ 43 ليوم الأرض، بل روّت الأرض بدماء أبنائها، لتثبت صدق الوفاء للأرض.
وارتقى خلال فعاليات المليونية أربعة شهداء وهم: محمد جهاد سعد 20 عاما شرق غزة وأدهم نضال عمارة 17 عاما وتامر هاشم ابو الخير 17 عاما وبلال محمود النجار 17 عاما.
سيرة الشهداء
الشهيد محمد جهاد سعد: لم يوقفه حبه للعبة كرة القدم ومشاركته كلاعب في فريق الناشئين في نادي الشجاعية على أمل أن يكون لاعبا مشهورا في الوسط الرياضي، أن يشارك في فعاليات مسيرة العودة بشكل دائم، إلى أن كان باكورة الاعتداء الإسرائيلي على مليونية الأرض والعودة وكسر الحصار، إذ ارتقى صباح المليونية برصاص قناص إسرائيلي شرق مدينة غزة.
ولخصت والدة الشهيد حكاية الفداء من أجل الوطن والأرض بقولها: "رسالتي للاحتلال أنا بضحي بأولادي الستة فداءً للوطن وفلسطين والقدس والأقصى، مضحية بأولادي، وانا قبلهم، والجمعة الجاية راح أكون في مقدمة الصفوف في المسيرة".
وأضافت: "محمد أصيب الجمعة الماضية وحكالي يمه انشري على النت اني حشارك في الجمعة الجاية، ولو منعوني في المستشفى، حطلع بدون لأشاورهم".
الشهيد أدهم نضال عمارة: الفتى الذي عاش يتيما بعد أن توفى الله والدته خلال ولادته، إلا أنه رأى في فلسطين أما له ولكل الأحرار، فما كان إلا أن هب لنداء الأرض على الحدود الشرقية، إلى أن أصابته رصاصة قناص إسرائيلي في وجهه ابن السابعة عشر ربيعا، ليرتقي شهيدا بعد وقت قصير من وصوله المستشفى.
الشهيد تامر هاشم ابو الخير: الفتى الرياضي ابن مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، والذي ارتقى برصاص الاحتلال شرق مدينة خانيونس بعد أن انتقل للعيش في مدينة حمد، صاحب الوجه البشوش الذي يألفه كل من يراه، لتنتشر صورته قبل استشهاده بأيام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تحفه الدعوات بالرحمة.
والدة الشهيد قالت قبل وداعه في المستشفى: "راضية بحكمك يا رب، قدمت واحد من ستة فداء فلسطين والقدس، الحمد لله على قضائك يا رب".
الشهيد بلال النجار: الفتى الذي يعرفه مخيم العودة شرق خانيونس منذ بدء المسيرات قبل عام، لم ينفك عن المشاركة الأسبوعية في المسيرة، إلى أن ارتقى شهيدا في المليونية.
والدة الشهيد قالت في وداعه: "كنت خايفة من هاليوم يجي، لكن الحمد الله كتب عليا احس بوجع أمهات الشهداء اللي كنت اشوفهن، حسبنا الله ونعم الوكيل على كل واحد تآمر علينا، وقتل أبنائنا".
أما شقيقته فقالت: "الله يسعدك يخوي ويدخلك الجنة زي ما كنت تتمنى في حياتك".
تاريخ والأرض
ويشار إلى أن يوم الأرض الفلسطيني يُحييه الفلسطينيون في 30 آذار من كلِ سنة، وتَعود أحداثه لآذار 1976 بعد أن صادر الاحتلال الاسرائيلي آلاف الدّونمات من الأراضي ذات الملكيّة الخاصّة أو المشاع في نطاق حدود مناطق ذات أغلبيّة سكانيّة فلسطينيّة، وقد عم إضراب عام ومسيرات من الجليل إلى النقب.
واندلعت مواجهات أسفرت عن استشهاد ستة فلسطينيين وأُصيب واعتقل المئات في يوم الأرض الذي حدثاً محورياً في الصراع على الأرض وفي علاقة المواطنين العرب بالجسم السياسي الإسرائيلي حيث أن هذه هي المرة الأولى التي يُنظم فيها العرب في فلسطين منذ عام 1948 احتجاجات رداً على السياسات الصهيونية بصفة جماعية وطنية فلسطينية.
ورافق قرار الحكومة بمصادرة الأراضي إعلان حظر التجول على قرى سخنين، عرابة، دير حنا، طرعان، طمرة، وكابول، من الساعة الخامسة مساء يوم 29 مارس 1976 عقب ذلك دعا القادة العرب من الحزب الشيوعي الإسرائيلي، مثل توفيق زياد والذي شغل أيضا منصب رئيس بلدية الناصرة ليوم من الاضرابات العامة والاحتجاجات ضد مصادرة الأراضي والتي ستنظم يوم 30 مارس.
في 18 مارس اجتمع رؤساء المجالس المحلية العربية، وأعضاء من حزب العمل في شفا عمرو وصوتوا ضد دعم خروج المظاهرات، وعندما أصبح الخبر منتشراً خرجت مظاهرة خارج مبنى البلدية وقد فرقت بالغاز المسيل للدموع وأعلنت الحكومة أن جميع المظاهرات غير قانونية، وهددت بإطلاق النار على "المحرضين"، مثل معلمي المدارس الذين شجعوا الطلاب على المشاركة.
وقد كانت تلك التهديدات غير فعالة فقد خرج الطلاب من الفصول الدراسية وانضموا إلى الإضراب وكذلك شاركوا في المسيرات العامة التي جرت في جميع أنحاء البلدات العربية في (إسرائيل)، من الجليل في الشمال إلى النقب في الجنوب وقد جرت إضرابات تضامنية أيضًا في وقت واحد تقريبًا في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي معظم مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
إحصائية للأرض
وفي الذكرى السنوية الثالثة والأربعين ليوم الأرض، نشر جهاز الإحصاء الفلسطيني إحصائية تظهر مساحة الأراضي التي يستغلها الفلسطينيون والأراضي المصادرة.
فتبين أن (إسرائيل) تستغل أكثر من 85% من مساحة فلسطين التاريخية، والبالغة حوالي 27، 000 كم مربع، ولم يتبق للفلسطينيين سوى نحو 15% فقط من مساحة فلسطين التاريخية، وتبلغ نسبة الفلسطينيين حاليا حوالي 48% من إجمالي السكان في فلسطين التاريخية.
بلغ عدد المواقع والقواعد العسكرية الإسرائيلية في نهاية عام 2017 في الضفة الغربية 435 موقعا، منها 150 مستوطنة و116 مركزا، وشهد العام 2018 زيادة كبيرة في وتيرة بناء وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية حيث صادقت (إسرائيل) على بناء حوالي 9384 مستوطنة جديدة، بالإضافة الى إقامة 9 مراكز جديدة.
الشهداء الأوائل
الشهيدة خديجة شواهنة: بين الساعة السابعة والثامنة من صباح الـ30 من آذار، كان قاسم شواهنة، والد الشهيدة خديجة شواهنة يجلس مع عائلته على مصيف بيتهم في مدينة سخنين، عندما سمعوا صوت إطلاق رصاص في القرية. على الفور دخلوا جميعًا إلى البيت ليكتشفوا أن خالد، وعمره 8 أعوام ليس معهم.
خمن الوالد أن طفله يلعب خارج المنزل، وبسبب حظر التجول لم يخرج هو وقرر إرسال خديجة البالغة من العمر 23 عامًا آنذاك للبحث عن خالد، ظنًا منه أن جنود الاحتلال لن يمسوا صبية ولن يعترضوا طريقها.
وعندما خرجت خديجة، وعلى بعد خطوات معدودة من منزلها، دخلت كتيبة من الجنود إلى المنطقة، فحاولت خديجة العودة إلى المنزل من شدة خوفها، لكن رصاصة قاتلة سبقتها واستقرت في ظهرها.
الشهيد خضر خلايلة: كان خضر خلايلة، البالغ من العمر 27 عامًا آنذاك يجلس مع عائلته داخل منزلهم، وفي الخارج صوت إطلاق رصاص كثيف. أصابت الرصاصات جدار منزل العائلة وسخان الماء على سطحه. سمع أفراد العائلة صوت صراخ امرأة من الشارع فخرج خضر مسرعًا وتبعه شقيقه أحمد.
يروي أحمد ما حصل يومها: 'على بعد 30 مترا من بيتنا كانت المعلمة آمنة عمر ملقاة على الأرض بعد أن تلقت رصاصة في بطنها وتنزف بشدة، حاول خضر مساعدتها وأنا بجانبه، رأيت اثنان من جنود الاحتلال يصوبان سلاحهما نحونا، أطلق أحدهما النار ولاذ كلاهما بالفرار من المكان، وسقط خضر بجانبي مضرجًا بدمائه بعد أن أصابت الرصاصة رأسه'.
وكان خضر خلايلة ثالث شهداء مدينة سخنين في يوم الأرض.
الشهيد خير ياسين: مساء التاسع والعشرين من آذار خرجت مسيرة احتجاجية في قرية دير حنا قمعتها قوات الاحتلال بالقوة، وعلى أثرها انطلقت مظاهرة حاشدة في قرية عرابة، واستعملت قوات الأمن لقمعها الأسلحة النارية.
استشهد خير ياسين خلال المظاهرة في قرية عرابة بنيران الجنود الذين اقتحموا القرية.
وفي أعقاب استشهاد خير تمددت المواجهات مع قوات الأمن في عدة بلدات عربية.
الشهيد رجا أبو ريا: عقب انتشار نبأ استشهاد خضر خلايلة في مدينة سخنين، خرج رجا أبو ريا مع عدد من الشبان متحديين أمر حظر التجول متجهين نحو موقع النصب التذكاري اليوم، وهناك اشتبكوا مع قوات الاحتلال وأصيب رجا أبو ريا في وجنته اليسرى.
وحاول سعيد أبو ريا، ابن عم الشهيد، نقله بسيارته الخاصة إلى مستشفى نهاريا، لكن جنود الاحتلال أعاقوا وصوله مرة بعد مرة، وبحسب رواية سعيد، قال له أحد الجنود إنه لن يسمح له بالمرور حتى تأتي تعليمات بذلك، و'لا يهمني إن مات'.
وعندما حاول السعيد المرور رغمًا عنهم هشموا زجاج سيارته بأعقاب البنادق وقال له أحد الجنود 'اليوم يوم قتلاكم'. ووصلوا إلى مستشفى نهاريا بعد ساعات وأدخلوا رجا غرفة الطوارئ، واستشهد هناك.
الشهيد محسن طه: استشهد محسن في المظاهرة الحاشدة التي شهدتها بلدة كفر كنا يوم الثلاثين من آذار. كان يبلغ حينها 15 عامًا عندما خرج من منزله مع صديقه للمشاركة في المظاهرة. وهناك قتله جنود الاحتلال برصاصة في رأسه.
الشهيد رأفت الزهيري: كان رأفت الزهيري طالب هندسة معمارية في رام الله، وبحسب ما ترويه والدته، كان رأفت في الـ19 من العمر. خرج من بيته في مخيم نور شمس قرب طولكرم متوجهًا لبيت أقاربه دون أن يخبرها شيئًا. وتوجه بعدها لمدينة الطيبة للمشاركة في مظاهرة يوم الأرض.
في مدينة الطيبة، وخلال التحضيرات للمظاهرة، داهمت قوات كبيرة من الجنود القرية حينذاك وبدأوا بإطلاق الرصاص على الشبان لتندلع مواجهات مع الشبان المتجمهرين، وأصيب رأفت الزهيري برصاصة في رأسه أدت إلى استشهاده.