قائمة الموقع

من غزة إلى سوريا.. قصص جهادية رويت بدماء "المبحوح"

2010-02-01T14:52:00+02:00

شقيقه: السرية التامة لازمت كل خطواته

رفيقه: أول من وضع قواعد عسكرية لحماس

شمال غزة/ كمال عليان:

تختصرنا الأيام وتشق عباب الماضي، تحفر في الذاكرة اسما كلما ذُكر عزف القلب معزوفة الدمع، مرسلا صداه كصوت حزين يسكن فينا ونحن عنه بعيدون، ذلك الزمن الذي كان فيه الشهيد القائد كعصفور يتنقل على أغصان الحياة يلونها بألحان حبه إلى أن ارتسمت دماؤه على آخر أسطرها كتوقيعٍ لأجمل خاتمة.

‏هو ذخيرةُ كل المجاهدين في فلسطين، وهو أثيرُ الصمود والإيثار عندما عضّت أنيابُ الصهيونية على تراب غزة: الشهيد القائد محمود المبحوح (50 عاماً).‏

يعشق المقاومة

في الرابع عشر من شهر فبراير لعام 1960م، ولد محمود عبد الرءوف محمد  المبحوح في مخيم جباليا، في أسرة ملتزمة تعود جذورها إلى قرية "بيت طيما" المحتلة عام 1948م، ترعرع وعاش حياته في مخيم جباليا وكان من صغره يكره الاحتلال، وفي عام 1982م انتقل إلى مخيم تل الزعتر.

"جهاد" في سبيل الله والوطن ليس خياراً اتخذه في خضم اشتداد المحن، بقدر ما هو فطرة صقلتها العقيدة والدين في الروح، فانسكب في غدير العطاء ليصبح بكل ما فيه قطرة دمٍ وماء.. ‏وهذا كل ما أراده الشهيد المبحوح لنفسه.. مُنذ كان صغيرا.

بدأ الشهيد المبحوح في العام 1978 التزامه الجهادي في مسجد أبو خوصة " المسجد الشرقي حالياً"، وكان يعشق المقاومة والجهاد في سبيل الله، ويتدرب على السلاح، وازدادت علاقته بالشيخ المؤسس الشهيد أحمد ياسين وبالشيخ المؤسس لكتائب القسام الشهيد صلاح شحادة.

خطف جنديين

وفي هذا الصدد يقول فايز أخو الشهيد:" في عام 1988م، تمكن محمود مع مجاهدين من كتائب القسام من أسر رقيب صهيوني يدعى "آفي سبورتس" من داخل الكيان الصهيوني، بعد أن جردوه من سلاحه وأوراقه الرسمية، وفي وقت لاحق تمت تصفيته وإخفاء جثته"، مبينا أنه وبعد  نجاح العملية الأولى أسر المجاهدون جنديا آخر يدعى "إيلان سعدون"، حيث جرى اختطافه بكامل عتاده العسكري، إلا أنهم اضطروا لقتله وإخفاء جثته؛ نظرا لصعوبة الاحتفاظ به حياً.

ويكمل الشقيق الأصغر :" بعدما اكتشف العدو أن المخطط للعمليات أخي محمود بدأوا  بملاحقته لأكثر من شهرين، وبعدها تمكن محمود من اجتياز الحدود هو ورفاقه إلى مصر، ومن ثم إلى ليبيا، ومن هناك غادروا إلى سوريا حيث أكمل مشواره الجهادي".

محاولات اغتيال

ولا زال فايز يتذكر ذلك اليوم الذي طوقت فيه قوات خاصة البيت، وقامت بعمليات إنزال على شرفة المنزل وسطحه، واعتقلوا كل من في البيت"، مبينا أن ذلك كان كورقة ضغط على محمود ليسلم نفسه.

ويكشف فايز أنه وفي نفس الوقت الذي داهمت فيه قوات الاحتلال منزلهم كانت هناك قوات خاصة كامنة في ورشة محمود تنتظر قدومه لقتله أو اعتقاله، وعندما توجَّه أخواه إلى الورشة أطلق الصهاينة النار عليهما لحظة دخولهما، وأصيب أخوه فائق، وتم اعتقاله معتقدين أنه محمود، أما أخوه نافذ فقد أصيب بجروحٍ بالغة الخطورة، وتم نقله إلى "مستشفى الأهلي".

ويوضح فايز أن محمود كان على بعد ثلاثين مترا من الورشة وشاهد كل الذي جرى لإخوته وهذا ما ساعده ليكون أكثر حذرا في تحركاته.

ويضيف فايز :" رغم مطاردة  الاحتلال له إلا أن محمود زار المستشفى ليطمئن على أخويه، ومن ثم غادر المكان، وبعد ذلك تمكَّن من الخروج من قطاع غزة؛ نظرًا لأنه أصبح مطلوبًا حيًّا أو ميتًا"، لافتا إلى أنه في عام 1990م قرَّرت المحكمة الصهيونية هدم بيتهم، وكانت "التهمة" الموجهة إليه خطف الجنود.

ويوضح أنه وبعد مطاردةٍ لمحمود في غزة دامت أكثر من شهرين، تمكَّن من اجتياز الحدود هو ورفاقه إلى مصر، حتى تم الاتفاق على ترحليهم إلى ليبيا، ومن هناك غادروا إلى سورية؛ حيث أكمل مشواره الجهادي.

جهاد لم يتوقف

حاولت "الرسالة.نت" الوصول إلى أقرب الناس إليه من إخوانه في حركة حماس الذين عايشوه في سوريا، حتى وصلت وبكل صعوبة إلى الرجل المطلوب الذي فضل عدم ذكر اسمه واكتفى بلقب أبو علاء.

وقال أبو علاء:" لم يتوقف الشهيد محمود عن الجهاد حتى بعدما خرج من قطاع غزة، فهو من ساعد كثيرا في تسهيل مهمة المقاومة في القطاع".

وأضاف في حديث خاص بـ"الرسالة" :" كان أبو العبد من أكثر الناس زهدا في الدنيا ولم يكن له بيت محدد في سوريا بل كان دائما يسكن بالإيجار"، مشددا على أنه ساعد شباب القسام الذين كانوا يسافرون لسوريا في أخذ دورات عسكرية وأمنية.

وفيما يتعلق بذهاب الشهيد إلى دولة الإمارات العربية اكتفى أبو علاء بالقول :" كان في مهمة خاصة"، مشددا على أن أبو العبد لم يكن يخطو خطوة واحدة إلا وفيها مصلحة للمقاومة في فلسطين.

وأكد على أن الشهيد محمود هو من شكل أول مجموعة عسكرية للحركة سميت يومها "المجد" بمشاركة محمد نصار ومحمد شراتحة، موضحا أن الشهيد محمود كان يمتاز بالسرية التامة في كل تحركاته. 

وترجل الفارس

عاش الشهيد محمود المبحوح في سورية، وفي التاسع عشر من يناير 2010 سافر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، ومكث ليلة في الفندق، وفي الصباح وجد جثة هامدة بعدما اغتالته يد الغدر الصهيونية بصعقة كهربائية بعدما فشلوا في اغتياله عشرات السنين وقد ارتحل عن الدنيا بعد مشوارٍ جهاديٍّ مشرف.

وترجل الفارس عن صهوة جهاده شهيداً.. وخرجت روحه في أرض الإمارات العربية.. وأينع زرعه نصراً مبيناً.. هكذا أراد جهاد أن تكون حياته، وهكذا تمنّى أن تُختم؛ فنعم عقبى الدّار يا أبو العبد.

 

اخبار ذات صلة