كان لافتا في البند الأول من كتاب التكليف الذي استلمه الدكتور محمد اشتية نصّ "استعادة الوحدة الوطنية، وإعادة غزة للشرعية"، لتمثل المهمة الأولى لاشتية، وهي ذاتها المهمة التي فشل سابقه رامي الحمد الله في تحقيقها.
ولا يمكن لأي رجل يجلس على كرسي الحكومة أن يفعل شيئا في ملف المصالحة التي من شأنها أن تعيد اللحمة لشطري الوطن، طالما أن هناك قرارا سياسيا لدى رأس هرم السلطة يقضي بإزاحة الطرف المقابل وليس ضمن إطار المشاركة الجماعية في قيادة الملف الوطني والحكومي.
ويأتي الحديث عن استعادة غزة في الوقت الذي يحارب فيه رئيس سلطة حركة فتح محمود عباس القطاع من خلال سلسلة طويلة من العقوبات المستمرة منذ ابريل 2017، والتي طالت كافة شرائح المجتمع في غزة.
ومن الواضح أن استعادة غزة للشرعية المزعومة لن تأتي من باب المصالحة الذي أغلقه أبو مازن للأبد، وإنما من خلال إجراءاته السياسية الأخيرة التي تمثلت بحل المجلس التشريعي وإنهاء عمل حكومة الحمد الله التي كانت بدايتها بناءً على أسس توافقية مع حركة حماس، بالإضافة إلى إعادة عدة أجسام وطنية دون إشراك كبرى الفصائل كحماس والجهاد والشعبية.
ويواجه اشتيه مهمة أصعب من تلك التي عاشها الحمد الله، فإن كان الأخير منفذا لمسلسل الهروب من المصالحة خلال عامي 2017 و2018، فإن اشتيه مطالب بإجراء الخطوات الأخيرة في كتاب فصل غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية، والتي تأتي تحت مظلة صفقة القرن.
ولاقى البند الوارد في كتاب التكليف اهتماما إسرائيليا، إذ يرى الاحتلال الإسرائيلي في التكليف الحكومي الفلسطيني بإعادة غزة لسيطرة سلطة حركة فتح، أنه يحتمل خيارين لا ثالث لهما: إما عبر مصالحة تعيد اللحمة الوطنية بين غزة والضفة، أو بجهود ميدانية لإنهاء سيطرة حماس على غزة، سواء بإحداث فلتان أمني داخلي فيها، بفعل زيادة العقوبات عليها، أو وجود مخطط إقليمي دولي بمشاركة إسرائيلية لتحقيقه.
وفي التعقيب على ذلك قال الكاتب والمختص في الشأن الإسرائيلي عدنان أبو عامر إن النظرة الإسرائيلية إلى "استعادة غزة" لسيطرة السلطة من خلال القنوات الآتية:
سياسياً: تعتقد (إسرائيل) أنه لو أخذت خطوة الحكومة الفلسطينية الجديدة باستعادة غزة طريقها للتنفيذ، فإنها ستجعل كل دعوات الحوار جزءا من الماضي، فاللجوء لوسيلة غير المصالحة لن تكون نتيجته بحال من الأحوال جلوس الجميع على طاولة واحدة، فضلا عن عودة المشاهد المحزنة من تقاتل الإخوة، وما أفرزه من شقاء الأشقاء!
مكمن قلق غزة من كتاب تكليف الحكومة الفلسطينية الجديدة باستعادة غزة بأنه يتزامن مع تشجيع السلطة لفوز الجنرالات الإسرائيليين في الانتخابات القادمة، وهم يعلنون رغبتهم بعودة غزة لسيطرتها، وما أعلنه المبعوث الأمريكي جاريد كوشنير عن رغبته برؤية غزة والضفة الغربية تحت قيادة واحدة.
أما أمنياً: فإن القرار لن يقتصر على ورقة من أسطر عدة ممهورة بتوقيع عباس، بل سيستدعي أدوات ميدانية لتأخذ طريقها لـ"وقف اختطاف غزة"، على ذمة السلطة، ما قد يزين لأصحاب هذا الخيار إمكانية الاستعانة بقوات عربية ودولية لتطبيقه، لا سيما إن أخذ غطاء شرعيا عربيا ودوليا أراه مستبعدا حاليا.
وأشار أبو عامر إلى القناة الاقتصادية حيث أن حصار غزة ألقى بظلاله السيئة والكارثية على كل مرافق القطاع: ماليا، وتجاريا، ومعيشيا، وزراعيا، وصناعيا، والخطوة الموعودة قد تضيف عبئا على أهل غزة، لا يتوقع أحدٌ كم سيكون حجمه، وقدرتهم على تحمله.
اما في الاتجاه العسكري فإن حركة حماس باتت مهددة صباح مساء بضربة إسرائيلية موجعة، تأمل (إسرائيل) وبعض حلفائها من الفلسطينيين والعرب أن تكون قاضية، وأظن الحركة تضع في حسبانها حين تحلل هدف "استعادة غزة" أن يكون من أدواتها تنفيذ عملية عسكرية إسرائيلية تطيح بها، رغم أن (إسرائيل) لا تضحي بجنودها مقابل تحقيق أهداف غير إسرائيلية –وفق قول أبو عامر.
وفي نهاية المطاف، تبقى الأسابيع المقبلة كفيلة بالكشف عن نوايا رئيس الحكومة الجديدة التي يقتصر مشكلوها على حركة فتح وفصيلين صغيري الحجم في منظمة التحرير، في حين يتوجب على الفصائل بغزة التحضير لكل الاحتمالات والإجراءات التي قد تزيد من سوء الأوضاع الإنسانية في القطاع.