لم يعلم الموظف حنفي أبو سعدة أن توجهه لإحدى شركات التقسيط في مدينته خانيونس جنوب قطاع غزة لشراء جهاز خلوي "جوال"، ستكون مستنقعا للوقوع في قضية نصب واحتيال تربطه بدفعات القسط لسنوات عدة.
أبو سعدة وقع اتفاقا مع صاحب الشركة لشراء الجوال بالتقسيط بسعر 1600 شيكل -رغم أن سعره الجوال لا يتجاوز 1100 شيكل- تفاجأ بعد أشهر من التزامه بتقسيط الدفعات وفق المتفق عليه، أن المبلغ المطلوب للدفع هو 3800 دولار أمريكي.
محاولات المواطن أبو سعدة التفاهم مع الشركة وصلت إلى طريق مسدود بعدما واجهه صاحب الشركة بالأوراق التي وقع عليها دون انتباهه أنه وقّع على ورقتين بأنه استلف مبلغ 1900 دولار ولدفعتين متتاليتين.
والغريب في الأمر أن المستندات التي واجه بها صاحب الشركة والتي تعمل وفق ترخيص رسمي، لم تذكر أن المواطن أبو سعدة قد اشترى جوالا بالتقسيط وأن ما حدث هو تلقيه للمال مقابل تقسيطه على دفعات بواقع 50 دولارا كل شهر.
وبيع التقسيط هو بيع يُعَجَّل فيه المبيع (السلعة) ويتأجل فيه الثمن كلُّه أو بعضُه على أقساط معلومة لآجال معلومة.
احتيال بمسمى التقسيط
"الرسالة نت " بدورها تطرقت لعمل الشركات التي تستغل حاجة المواطنين الماسة للتقسيط في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، وتحتال عليهم دون علمهم.
وتواصل مراسل "الرسالة" مع الشركة التي وقع المواطن أبو سعدة ضحية لها، وسأل صاحب الشركة عن قضيته ليؤكد لنا أنه استلف الأموال كما هو مذكور في الأوراق على أن يقسط المبلغ شهريا، ناكرا أنه قد يكون باع له جوالا.
وتوجه معد التحقيق إلى الشركة الواقعة في مدينة خانيونس لعمل اجراءات تقسيط لشراء جوال، وبعد الاتفاق على شراء جوال يُباع بـ 1400 شيكل، نقدا و2100 شيكل بالتقسيط، قدّم صاحب الشركة ورقتين للتوقيع عليهما قيمة كل واحدة منها 2100 شيكل!
ولحظة السؤال عن سبب التوقيع على الورقتين قال صاحب الشركة: "هي لحفظ الحقوق فقط، ويحتفظ مجلس الادارة بنسخة لديه".
ولم يكن المواطن أبو سعدة هو الوحيد الذي وقع ضحية للشركة، حيث اضطرت المواطنة ندى عمر إلى تسوية أوضاعها المالية مع الشركة مقابل الحصول على الورقة التي وقعت عليها بعد أن اشترت جوالا بالتقسيط.
وقالت ندى إنها اضطرت لدفع 2700 شيكل ثمنا لجوال لا يتعدى سعره 1200 شيكل، موضحةً أنها اتفقت مع صاحب الشركة على دفع 1350 شيكل على دفعات، إلا أنها اضطرت لدفع المبلغ مرتين بما مجموعه 2700 شيكل.
ونتيجة للأوضاع المعيشية الصعبة، أضحت التعاملات المالية وسيلة لاستغلال حاجة الناس الماسة للأموال في ظل انعدام السيولة لديهم.
الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الغزيون أفرزت الكثير من الظواهر السلبية، التي ألقت بظلالها الوخيمة على جميع مناحي الحياة، والتي بدورها دفعت ضعاف النفوس للجوء إلى حيل للتغلب على الواقع المرير في ظل حصار (إسرائيلي) خانق، وتفشي وباء البطالة والفقر وتوقف المشاريع التنموية والحيوية.
بحاجة لضوابط
بدوره، قال المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية في غزة أيمن البطنيجي إن القانون يسمح بأن يتفق البائع والمشتري على المبلغ المستحق للدفع بالتقسيط، ولا توجد ضوابط لحالة البيع بالآجل.
وشدد البطنيجي على ضرورة وجود تشريعات وقوانين لضبط عملية التقسيط ومنع استغلال حاجة المواطنين، مشيرا إلى أنهم جهة تنفيذية والقرارات يجب أن يصادق عليها المجلس التشريعي.
الشرطة: القانون يسمح بجميع طرق التقسيط، ولا توجد ضوابط للبيع بالآجل
ودعا المواطنين لضرورة الانتباه للتجار الذين يستغلون حاجتهم للسلعة في ظل نقص السيولة وصعوبة الأوضاع المعيشية.
من جهته، ذكر نبيل حليوة رئيس نيابتي دير البلح وخانيونس الكلية، أن النصب والاحتيال قضايا قائمة وحالاتها تتباين من قضية لأخرى، والحكم يتم حسب التهمة والتكليف القانوني والوقائع.
وقال حليوة في حديث لـ "الرسالة نت ": "طالما صدر قرار قضائي بتقسيط المبلغ المعين وإخلال المحكوم عليه بدفع المبلغ وقيمة القسط، فإنه لا يمكن اعتبارها قضية نصب، والقانون أعطى القاضي حرية في وضع القسط المعين وفق الظروف".
ولفت إلى أن هناك حالة "تكرار الدين" والتي تعني استغفال الدائن للمدين وتوقيعه على عقود إضافية أكثر من القسط المتفق عليه، معتبرا هذه القضية نصبا.
ووفق قانون العقوبات، أكد حليوة أن العملية السابقة تعني الحصول على أموال بالنصب، ويمكن احتسابها جنحة يصل بها السجن من سنة إلى ثلاثة، أو جناية وعقوبتها أكثر من ثلاث سنوات.
وأشار إلى أن الأصل في الشراء أن يتفق الطرفان على المبلغ حتى لو كان كبيرا، "ويجب على المستهلك أن يلتزم بدفع الأموال وفق الاتفاق ويمكن التعديل بينهما وفق الظروف".
وشدد على أن قيمة القسط ملزمة للمدين ويكون تحت طائلة المسؤولية في حال حصول خلل، مضيفا: "في حال كانت الزيادة فاحشة من أجل التقسيط، يتم إعادة النظر في المبلغ الذي سيتم دفعه ولكن يجب إثبات ذلك، لأنه وافق من الأساس على دفعه".
وبيّن أن القانون يُعيد النظر في قضية -الأموال الربوية- وهو الغلاء الفاحش على أصل الشيء، لافتا إلى أن معالجة القضية تتم برد الأمور إلى أصلها لرفع الظلم عن المواطنين.
وبصفته الجهة المشرعة، يرى النائب عاطف عدوان رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس التشريعي، أن عمليات الشراء والبيع التي تتم بالتقسيط مفهومة ومبررة في ظل نقص السيولة وشح المال والوضع الاقتصادي الصعب.
وأوضح عدوان أن المواطن يضطر للتقسيط في ظل شح السيولة، ويصعب على الحكومة التدخل في الأمر طالما هناك اتفاق بين البائع والمشتري.
التشريعي: عمليات التقسيط مبررة في ظل نقص السيولة وصعوبة الأوضاع
ولفت إلى أن تدخل الجهات المختصة يتم في حال وجود شكوى، كإخلال المشتري في دفع الأقساط أو وجود استغلال واحتيال من البائع.
وبيّن أن كثرة الأقساط وارتفاع أسعار بعضها عن المعتاد وجد نتيجة للظروف، وقلة الرواتب بفعل العقوبات التي يفرضها رئيس السلطة محمود عباس.
وأضاف عدوان: "القانون يتحدث عن حالات احتكار ويعالجها ولكن لا يتطرق لعمليات البيع بالتقسيط بغض النظر عن السعر طالما اتفق عليه".
واستدرك: "لكن في حال تعرض المشتري لحالة استغلال فيجب أن يتم تقديم شكوى للجهات المختصة لتقوم اللجان المختصة ببحثتها ومعالجة القضية وفق القانون".
شركة للتقسيط: نوقّع العميل على أوراق إضافية لضمان حقوقنا!
ويجب على الشخص الذي يمتلك سلعة عبر التقسيط أن يتأكد من أن الشركة التي يتعامل معها مرخصة من الجهات الحكومية، وأن يحتفظ بنسخة أصلية من عقد التقسيط والفواتير المدفوعة شهريا، كما يجب أن يوضح العقد وصفا كاملا للسلعة، والسعر والدفعة المقدمة، والمبلغ المتبقي ومبالغ الدفعات، وعددها، وأوقاتها، وشروط الوفاء، وأي بيانات أو شروط يتم الاتفاق عليها.
وتجدر الإشارة أنه لا يجوز للبائع المطالبة بفسخ العقد في حال كان المشتري ملتزما بدفع الأقساط وتأخر عن دفع قسط واحد.
كما لا يجوز للبائع تقاضي مصروفات إضافية كتوصيل المنتج للمشتري إذا كان بنفس المنطقة.
دعوة لزيادة الأمن الاقتصادي
وخلال ورشة عمل نُظمت مؤخرا، أوصى مسؤولون قانونيون وأمنيون بضرورة إنشاء جهاز يعنى بالأمن الاقتصادي في قطاع غزة، وأجمعوا على ضرورة طرح علاج للمشكلات المالية في المجتمع قبل وقوعها.
وطالبوا بضرورة تفعيل قانون الكسب غير المشروع واستحداث وحدة متخصصة في المباحث العامة تكون مؤهلة للتعاطي مع جرائم الأموال، كما دعوا إلى عقد دورات متخصصة للأجهزة الأمنية المختصة بملاحقة المتورطين بارتكاب هذه الجرائم.
وأوصى المشاركون بضرورة تفعيل دور المشرع الفلسطيني بإصدار تشريعات متطورة تلبي حاجة المجتمع الحالية بما يخص إقرار مشروع قانون عقوبات جديد وتفعيل دور الجهات القضائية ومنح صلاحيات إضافية للقضاء لمصادرة أموال الجناة بهدف تحقيق الردع.
النيابة: هناك حالة "تكرار الدين" وهي استغفال الدائن للمدين وتوقيعه على عقود إضافية وهي قضية نصب.
واقترحوا تأسيس صحيفة جنائية تختص بالتحذير من خطورة جرائم الأموال، إلى جانب تفعيل أجهزة الإعلام في التوعية من مخاطر تلك المشكلة، وطالبوا القضاء الفلسطيني بتشديد العقوبة على مرتكبي جريمة النصب عند إصدار قضايا بهذا المضمون.
كما طالبوا بتفعيل قانون الكسب غير المشروع وإضفاء السرعة والمرونة على إجراءات القضاء في مشكلات الأموال وتخصيص قضاء للنظر فيها.
المشاكل تزداد
المختص في الشأن الاقتصادي الدكتور عبد الله أبو هنود أكد أن التقسيط في الاقتصاد عملية تشجع على تداول السلع وبالتالي تنشط من حجم التداول.
وقال أبو هنود: "في ظل انعدام القدرة الشرائية بسبب نقص السيولة مع قلة الرواتب، أدت قضية التقسيط بالسلب على هذه الخدمات، وبالتالي هي مهمة في ظل مناخ اقتصادي سليم يوجد فيه رواتب".
ولفت إلى أن الجانب السلبي بدأ يظهر في الوقت الحالي، ويتمثل في عجز المشتري عن دفع الأقساط، سيما عند ارتفاع قيمة الشراء في المؤجل.
قانونيون: يجب طرح علاج للمشكلات المالية وتفعيل قانون الكسب غير المشروع
وأوضح أن الاقتصاد الفلسطيني أمام تراجع الدخل الحقيقي، وما يحدث الآن هو حاجة المواطن للسيولة وبالتالي يشتري المستهلك السلعة بسعر مرتفع ويبيعها بسعر متدن وهو ما يعني تراكم أعباء المستهلك ووقوعه في أزمات.
وخلاصة القول، إن غياب "ناظم" لآلية البيع بالتقسيط لدى التجار يزيد من أعداد المقبلين على الشراء من خلالها، مدفوعين بمبدأ أن الحاجة تبرر كل الأعمال.
وبالتالي، فإن ذلك يستدعي مزيدا من "التدخل الحكومي"؛ بما ينظّم العمل أكثر بآلية التقسيط، وفي أقل صوره، أن تكون "حماية المستهلك" طرفا مراقبا على عقود البيع.
ورفضت جمعية حماية المستهلك التابعة لوزارة الاقتصاد التعقيب على موضوع التقسيط، مشيرةً إلى أنها تتابع باستمرار ما يخص أمن المستهلك دون الإشارة إلى الموضوع بشكل خاص.
والأهم من ذلك، أن يكون المواطن نفسه على دراية بمخاطر التقسيط وطرق التحايل التي تتبعها بعض الشركات.