الرسالة نت - رائد أبو جراد
أصواتهم الخافتة دوت في المكان رغم الظلام الحالك الذي غطى أرجائه ليلة الرابع والعشرين من شهر رمضان المبارك إحدى ليالي الاعتكاف في العشر الأواخر من الشهر الفضيل، بمحاذاة بعضهم البعض تجمع 3 من عناصر كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح المسلح لحركة "حماس" متحلقين تحت فروع شجرة برتقال فاحت بعطرها في إحدى ليالي رباطهم على الثغور الشرقية لمدينة غزة ليعايشوا بها أجواءً مفعمةً بالإيمان والجهاد والإقبال على الخيرات.
(أبو صهيب وأبو يحيى وأبو رفعت وغيرهم من المرابطين جلسوا الى جانب بعضهم بعد دقائق معدودات من تسلمهم أوامر قيادتهم العسكرية في تلك الليلة التي لف الظلام الدامس أرجائها لكنها لم تمنعهم من حمل مصاحفهم الصغيرة.
بدأ المقاومون الذين يطلق عليهم عند خروجهم ساعات المساء لحراسة الحدود الغزية "المرابطون" محاولة لختم تلاوة القرآن مرة واحدة في ليلة الرباط تلك لتبدو صورة مجاهدي القسام جلية بأن اختارهم الله لنصرة دينه وعقيدته.
** طاعة فريدة
"أبو أحمد" قائد ميداني في كتائب القسام أمسك بيده اليمنى جهاز لاسلكي بدأ يوجه عبره إشارات "رموز" لوحدات المرابطين كل في ثغره وموقعه للبدء بتنفيذ هذه العبادة بقوله "على جميع خاصات المرابطين البدء بالمهمة المكلفون بها المعروفة لديهم".
ما أن انتهى المجاهد من سرد كلماته القليلة حتى دوت أصوات عذبة ندية تردد آيات الذكر الحكيم، وتمثل الهدف الذي خطط له المرابطون في تلك الليلة بختم القرآن عبر توزيع أجزائه الثلاثين على العناصر المجاهدة كل حسب ثغره ومكمنه الذي جلس بداخله يترصد حركة آليات الاحتلال وجنوده على الحدود الشرقية لمدينة غزة المحاصرة.
"الرسالة نت" كعادتها أبت إلا أن ترافق المجاهدين في رحلتهم الإيمانية التي خرجوا لها من منازلهم تاركين أهلهم وعيالهم خلف ظهورهم يبتغون رضا الرحمن ورضوانه، وفي خطوات بطيئة غلب عليها التردد والترقب اقترب مراسلها الذي استضافته بندقية القسام من جديد في إحدى ليالي رباط عناصرها ليلة الـ24 من رمضان ليبدأ بمصافحة المقاومين بقلبه الشغف بلقائهم وقد بدت عيونهم الناظرة لكتاب ربهم في أياديهم الطاهرة براقة وهي تتلو الآيات بكل تدبر وخشوع.
المقاوم "أبو مالك" كما يحب أن ينادى جلس أسفل شجرة ضخمة في إحدى ثغور الرباط المتقدمة، الصمت غلب عليه بادئ الأمر ليقطعه بكلمات قليلة:"ما أجملها من لحظات يتنافس عليها أبناء القسام على الطاعات ورباط الليالي العشر الأواخر من شهر الصيام والجهاد والانتصارات وها نحن نتنسم هواءه العليل طاعة لربنا الجليل".
كلمات نطق بها لسان المقاوم القسامي صاحب فكرة ختم القرآن في ليلة رباط واحدة بالتعاون ما بين المجاهدين والذي تحدث لـ"الرسالة" دون تردد، موضحاً وضع قيادتهم جدولاً إيمانياً مميزاً لهم لقضاء ليالي الرباط الرمضانية خاصة العشر الأواخر منها في جو مزدحم بالطاعات بدءاً بتلاوة القرآن وانتهاءً بالاستغفار والأذكار والدعاء والتهجد لله تعالى وقت السحر.
**حراسة وعبادة
"ختم القرآن في تلك الليلة كان الهدف المنشود لأبطال المقاومة الذين تجهزوا بكامل عتادهم العسكري ولسان حالهم يردد "وعجلت إليك رب لترضى"، بعضهم كمن في ثغره متخفياً عن الأنظار يتلو ما تيسر من القرآن المحكم الآيات وآخر رقد ممتشقاً سلاحه ومزيناً جبينه بعصبة خضراء كتب عليها شعار القسام ليحرس إخوانه المنغمسين في أجواء الطاعة والاستغفار.
نظرات المجاهد "أبو رفعت" لم تسقط ولو للحظة واحدة عن متابعة ومراقبة الخط الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المحتلة عام 48 لرصد حركة آليات وتحركات وسكنات جيش الاحتلال الصهيوني في مواقعه العسكرية على حدود غزة.
بعيون ثاقبة لم يؤثر فيها التعب والنعاس أكد المقاوم الذي بدا عتاده وسلاحه منظماً مجهزاً على كاملة استعداداً لمواجهة مرتقبة مع جنود الاحتلال الذين يحاولون التسلسل لثغور وحدود القطاع الشرقية والشمالية.
ويقول "أبو رفعت" الذي يشارك في ختم الجزء العاشر من القرآن :"أحرص على رباط ليالي شهر رمضان كاملة لأنها الأفضل في الأجر والثواب وانطلاقاً من قول حبيبنا صلى الله عليه وسلم "قيام ساعة في الصف للقتال في سبيل الله خير من عبادة ستين سنة" وهذا الحديث محفز كبير لنا على الطاعات في ليالي رمضان المباركات".
ويرى المقاوم القسامي الذي تناوب زميل آخر له في نفس الثغر على الطاعة والحراسة مستغلين بذلك ساعات معدودات أن أكثر ما يحفز مجاهدو القسام على اغتنام ليالي الرباط بعيداً عن أهلهم وأبنائهم علمهم المسبق بالأجر والثواب العظيم الذي أعده الله للصابرين والمرابطين المفلحين.
**تحفيز نبوي
وتوجهت "الرسالة نت" بالحديث لأخيه أبو صهيب الذي أمسك بيده مسبحة ويقضي ليله في التسبيح وترديد الأذكار والاستغفار ليقول بصوت تغلب عليه الشجاعة والإقدام:"سبحان الله لا اصدق أنني اقضي وقتي في طاعة عظيمة لها ثواب أكبر وأفضل من ثواب القائم الصائم في بيته.
عقارب الساعة دارت متسارعة بعد أن خيم الظلام الحالك على أجواء ليلة الرباط، وانتهت اللحظات الطيبة قرابة السحر وأذان الفجر لتصدح معها أصوات الجهاز المرابطين على اللاسلكي الذي زين عتادهم كل في موقعه "خطاب1 من نقطة "..." نبلغك بأننا أتممنا المهمة الموكلة إلينا على أتم وجه".
كلمات المجاهدين وجدت صدراً رحباً لدى المسئول المناوب عليهم في رباطهم ليرد عليهم بقوله" تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال لا تنسوا إخوانكم المجاهدين في الضفة والمحاصرين بغزة من صالح دعائكم في هذا الوقت الذي تستجاب فيه الدعوة".
هذا هو حال بندقية القسام في ليالي العشر من رمضان .. والتي فيها ليلة خير من ألف شهر يتسابق فيها المخلصون من رجال المقاومة لاغتنام أجر الرباط فيها على الثغور رغم أنهم ينتظرونها لمزاحمة الناس على الطاعات خلالها في المساجد، ليالي يقضيها المقاومون الأبطال حاملين أرواحهم على أكفهم لصناعة مجد إسلامي جديد.